تعيين باربرا ليف مسؤولة عن ملف الشرق الأوسط يعيد للواجهة آراءها بدول المنطقة
إدارة بايدن تتمسّك بالأهمية الإستراتيجية للخليج
- تعيينات الرئيس أظهرت في غالبها عودة المجموعة نفسها التي كانت مسؤولة عن رسم وتطبيق سياسة أوباما
في وقت اتجهت الأنظار، على مدى الأسبوع الماضي، إلى جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ المخصصة للمصادقة على تعيين وزراء الخارجية والأمن القومي والخزانة والدفاع، كان لافتاً إعلان الرئيس جو بايدن تعيينه سفيرة الولايات المتحدة سابقاً في الإمارات، باربرا ليف، في منصب مسؤولة ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.
والتعيينات في مجلس الأمن القومي ناجزة، ولا تتطلب موافقة مجلس الشيوخ.
تعيينات بايدن أظهرت، في غالبيتها، عودة المجموعة نفسها التي كانت مسؤولة عن رسم وتطبيق سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما دفع بعض المعلقين الى وصف ولاية بايدن الأولى على أنها فعلياً ولاية أوباما الثالثة.
لكن المدقق عن كثب أكثر قد يرى بعض الفوارق.
غاب حتى الآن عن لائحة التعيينات لمناصب السياسة الخارجية مجموعتان: الأولى كانت تقودها مستشارة الأمن السابقة سوزان رايس، وفي عدادها نائبها، بن رودز، والثانية مجموعة بقيادة، سلف ليف، في منصب مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، روبرت مالي، وفي عدادها ستيف سايمون وفيل غوردون.
سايمون انعدمت حظوظ تعيينه في أي منصب في الإدارات الأميركية بعد خروجه من إدارة أوباما، وذلك بسبب لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، في دمشق، في ديسمبر 2015.
أما غوردون، فنال منصب نائب مستشارة الأمن القومي لنائب الرئيس، كمالا هاريس، فيما ما يزال مالي، الذي سبق له أن التقى الأسد وقيادات «حماس» في 2008، ينتظر منصباً، رغم أن المناصب الرفيعة لشؤون السياسة الخارجية تكاد تكون امتلأت.
وكانت إشاعات عن إمكانية تعيين بايدن لمالي مسؤولاً عن الملف الإيراني أثارت ضجيجاً وردود فعل معارضة، على شكل واسع، ما قد يكون أثنى الإدارة الجديدة عن تعيينه، أو ربما دفعها الى التريث في ذلك.
ومالي كان يتمتع بصداقة متينة مع سفير الأسد في واشنطن (سابقاً)، عماد مصطفى، وكان السبّاق في نشر مقالة رأي، مع غوردن، في صحيفة «نيويورك تايمز»، على اثر انتخاب بايدن رئيساً، قدم فيه رؤيتهما للسياسة الخارجية، والتي تتمحور - ليس حول ضرورة رفع العقوبات المتعلقة بالشؤون النووية والعودة للاتفاقية مع إيران فحسب - بل حول رفع كل العقوبات عن إيران، بما في ذلك التي لم يرفعها أوباما، والتي ترتبط بشؤون برنامج إيران الصاروخي ودعمها للميليشيات في دول المنطقة.
أما تكليف ليف بتسلم منصب مسؤولة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، فيشي بأن بعض الأصوات داخل إدارة بايدن ستفترق عن الخط المعروف للديموقراطيين حول السياسة الخارجية، في عهد أوباما.
صحيح أن ليف لم تمثل أمام أي من لجان الكونغرس لتقديم وجهات نظرها، لكنه سبق للمسؤولة الأميركية أن أدلت بآرائها في جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، قبل عام وعلى اثر اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، في بغداد، والرد الإيراني الذي جاء على شكل رمي صواريخ على قاعدة عين الأسد العراقية.
وعلى عكس ما حاول أنتوني بلينكن قوله أثناء جلسة المصادقة على تعيينه وزيراً للخارجية، لناحية أن مقتل سليماني نجم عنه عواقب مؤذية لأميركا، كانت ليف قللّت من أهمية الرد الإيراني، بل هي انتقدت ترامب لعدم رده على هجمات إيرانية سابقة ولاحقة شنتها طهران ضد أهداف في الخليج.
ومما قالته ليف إن «دول الخليج تلبي نحو 20 في المئة من حاجة الاقتصاد العالمي للطاقة، لكنها دول صغيرة، وتبذل جهوداً لتنويع اقتصاداتها، بعيداً عن الاعتماد على صادرات الطاقة، وتعمل على تقديم نفسها كمراكز للسياحة، والنقل، والتمويل، والخدمات المصرفية، والتصنيع»، وان كل هذه القطاعات تعتمد على بيئة آمنة ومستقرة.
وقالت ليف إنه «رغم الاستثمارات الضخمة على مدى عقود طويلة لدول مجلس التعاون الخليجي في أنظمة الأسلحة الأميركية والأوروبية، بما في ذلك الدفاع الصاروخي، إلا أن هذه الدول الست لا تزال معرضة للخطر بشكل كبير، إذ بسبب قلة عدد السكان، وبسبب الاقتصادات التي تطورت مع اعتماد كبير على العمالة الوافدة، فإن دول مجلس التعاون معرّضة بشكل خاص لمجموعة من الأدوات غير المتكافئة في المواجهة مع إيران، خصوصاً في قطاع الإنترنت».
وأضافت السفيرة السابقة لدى الإمارات أنه بالنسبة لدول مجلس التعاون «التي تعتمد على تحلية 95 في المئة من إمدادات المياه الصالحة للشرب، واستيراد 90 الى 95 في المئة من المواد الغذائية، والتي نوعت اقتصاداتها من خلال جعل نفسها مراكز للتجارة العالمية، والحركة الجوية، والشحن، والتمويل، يمكن لأي توقف في الشبكة الكهربائية، على اثر هجوم مثلاً، أن تكون نتائجه مدمرة».
وفي وقت يزور رئيس الموساد الاسرائيلي يوسي كوهين واشنطن ليعقد زيارات تعارف مع مسؤولي السياسة الخارجية الجدد في إدارة بايدن، كان لافتاً أن تعيين ليف لا يتناسق مع السياسات التي يعلنها عدد من المسؤولين الجدد، فليف لا تتفق مع سياسة أوباما القاضية بالاستدارة شرقاً، أي الانسحاب من الشرق الأوسط للتركيز على الصين والشرق الأدنى، بل تعتبر ليف أن الشرق الأوسط ما يزال يتمتع بأهمية استراتيجية لأسباب ثلاثة، أولها النفط، الذي يبقى «سلعة عالمية يتأثر سعره بشكل مباشر بالأمن»، والثانية مكافحة الإرهاب «بالتنسيق مع حلفاء عرب يمكن الاعتماد عليهم»، والثالثة «الاستقرار الإقليمي»، إذ أن انعدام الاستقرار المزمن في منطقة آخذة في الاتساع، يسكنها ما يقرب من 70 مليون شخص، وهي موطن رابع أكبر منتج للنفط في العالم، «يمكنها أن تتحول إلى مصدر متطرف عالمي، وسبق أن صدرت أكثر من 8 ملايين لاجئ» ويمكنها أن تصدر الملايين مستقبلاً.
وانضم الى ليف، في مخالفة هرولة بعض أركان الإدارة الديموقراطية في اتجاه العودة للاتفاق النووي مع إيران، زميلها في وزارة الخارجية سابقاً وفي «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» حالياً دنيس روس، وهو مهندس سياسة «العصا والجزرة» التي أفضت لعقوبات دولية على إيران، نجم عنها التوصل لاتفاقية نووية.
وعارض روس العودة بأي ثمن للاتفاقية مع طهران، وتساءل - في مقالة في «واشنطن بوست»- حول الأسباب خلف التصعيد الإيراني رغم إعلان بايدن نيته للعودة للاتفاقية مع إيران، ليجيب أن موقف بايدن هو «عودة مقابل عودة»، أي أنه لن يرفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال، وهو ما سيستغرق بضعة أشهر للقيام به لتصدير اليورانيوم المخصب أو تخفيفه.
وكتب روس أن الإيرانيين يطالبون بتعويضات عما كلفتهم العقوبات، ويصرّون أن على الولايات المتحدة، لا إيران، التحرك أولاً، فيما قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن الغرب «ملزم برفع العقوبات على الفور»، مع إشارته إلى أن «إيران ليست في عجلة كذلك، إذ أنه إن لم يتم رفع العقوبات، فقد تكون عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية في غير صالحنا، وإن عادوا إلى التزاماتهم، نعود إلى التزاماتنا».