قد نجد بعض المسوغات لذهاب بعض النواب ليلاً خارج ساعات العمل إلى مجلس الأمة؛ على اعتبار أنه مقر عملهم، ومن هذه المسوغات: لربما نسي أحدهم ورقة أو وثيقة أو مستنداً مهماً - ولاسيما - أنهم نواب الشعب ما يعني أن كثيراً من وثائق الشعب بيدهم للدفاع عنهم، ولربما أراد الواحد منهم أن يكتب تقريراً في مكتبه بهدوء وبقرب مستنداته، وحتى لو كانوا مجتمعين من الممكن أن يتعاونوا على كتابة تقرير أو مذكرة أو محاور استجواب؛ كل ذلك وارد وفق الاستئذان من رئيس مجلس الأمة لكي يسمح لهم حرس المجلس بالدخول.
ولكن ما لا نجد له مبرراً حضور العامة مع بعض النواب، ودخول المجلس بطريقة الاحتجاج ودخول قاعة المجلس وما رافق هذا الدخول من أحداث أشبع القول في وصفها وتصويرها، وهي ليست موضوع المقال، ولكن ترتب على هذا إحراج رئيس مجلس الأمة وبقية النواب، انزعاج الحكومة وبيت الحكم، جهد مضاعف لرجال الأمن من بداية الدخول حتى المحاكمة، أرق وكلاء النيابة، سهر القضاة لقراءة مئات المذكرات والتقارير والصور، كل ذلك أثّر على صحة الجميع وعلى خصوصياتهم ووقتهم الخاص، لمجرد تصرفات غير مسؤولة.
الآن وبعد أن صدرت الأحكام بالتجريم والسجن لكل من حاول أن يتطاول على هيبة الدولة وسيادتها، سعى من سعى للحصول على عفو لهم تحت مسمى ( العفو الشامل ) المثير للجدل، ولكننا مع العفو قال تعالى: «... ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو...» البقرة: 219، فالله سبحانه وتعالى وضع الإنفاق وهو الزكاة والصدقات في مرتبة واحدة مع العفو.
حينما عفا الرسول صلى الله عليه وسلم عن كعب بن زهير بعد أن أمر بهدر دمه، كان كعب بن زهير قد امتثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال قصيدته المشهورة (بانت سعاد) معتذراً نادماً متحسراً مادحاً؛ فعفا عنه نبي الرحمة، وحينما عفا الرسول صلى الله عليه وسلم، عن وحشي بن حرب قاتل عمه حمزة رضي الله عنه، كان وحشي بن حرب قد امتثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصّ عليه مقتل حمزة نادماً متحسراً معتذراً؛ فعفا عنه نبي الرحمة، وحينما جاءت امرأة عكرمة بن أبي جهل تطلب العفو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لزوجها عكرمة الهارب، طلبه الرسول فقالت له إنه يخشى إذا جاءك تقتله، فأعطى زوجته الأمان، وجاء عكرمة بن أبي جهل وامتثل بين يدي رسول الله نادما معتذراً، فعفا عنه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.