الحل بيد... المجلسين

تصغير
تكبير
ما أشبه اليوم بالبارحة رغم أننا لا نريد لليوم أن يشبه البارحة. ما حصل قد حصل وها هي الاستجوابات تتسابق لتحجز لنفسها مقعدا في جلسات الامة وسط غبار كثيف، وضجيج متصاعد، وتهديدات متبادلة ولغة سوقية احيانا نستطيع ان نجزم ان قاعة عبد الله السالم تشهدها لكن روح عبد الله السالم تمقتها وتقشعر لسماعها.

ها قد عدنا... اربعة استجوابات حتى اليوم، وربما توالدت بعد اسبوع. فلتكن خمسة وستة وعشرة. فلتكن بعدد وزراء الحكومة ما دام الدستور نص والمشرع سمح، ولكن حتى لا يشبه اليوم البارحة لا بد من كلمة هادئة نابعة من سلطة رقابة ايضا انما من بلاط صاحبة الجلالة.

الاستجواب حق للنائب، ولا خير في نائب يمثل الامة يرى خطأ يتعلق بالمصلحة العامة او نهبا للمال العام او تجاوزا لقانون او اساءة للدستور ولا يستخدم الادوات المطلوبة لردع الخطأ ووقف التمادي واحقاق الحق، فالنائب عندما حصل على صوت الناخب انما حصل على وكالة شعبية اقرب الى الامانة منها للوجاهة، ولذلك يجب ان يكرس كل وقته وجهده لحمل الامانة بالشكل السليم اي بيدين اثنتين هما الرقابة والتشريع.

حامل الامانة هنا مسؤول عن تنفيذها، والاستجواب اداة من ادوات الرقابة لتصحيح خطأ لا لإحلال خطأ مكان آخر. هو سؤال مغلظ للوزير كي يوقف الخلل اذا كان موجودا او يحاسب على الخلل اذا كان هو المسؤول عنه. هذه هي الحدود التي وضعها المشرع لممثل الامة من خلال الاستجواب، فهل ما نراه اليوم يتوافق مع الحدود الموضوعة؟

باستثناء قلة تعرف كيف تحمل امانة الامة في الرقابة والتشريع، نجد ان بعض الاستجوابات يترافق مع حدة نيابية وتصعيد سياسي وتهجم شخصي، وهي عناصر تضعف فكرة المساءلة وتشخصنها.

الاستجواب من محور او محاور، والالتزام شكلا ومضمونا بها يعطيه صورة ارقى ومصداقية اقوى حتى ولو كان الصوت العالي جذابا اكثر. هذا الالتزام بات ضرورة للنظام الديموقراطي الذي نحرص عليه وغيابه صار معولا من معاول هدم النظام الديموقراطي وحرفه عن اهدافه.

والاستجواب يضعف معناه اذا كان من اجل مصلحة شخصية، او انتقاما شخصيا، او اذا كان لمصلحة شريحة معينة من الناخبين، او لأهداف انتخابية، او اذا كان بإيحاء من طرف في السلطة ضد طرف آخر، ولم يعد يخفى على الكويتيين كيف يخوض بعض الرموز معاركهم بـ«الواسطة» ومن ضمنها التحارب بالكراسي الخضر.

والاستجواب يسحب حجرا من حجارة السور الديموقراطي الكويتي عندما يتحول الى اداة تعبئة شعبية ومادة لندوات مشتعلة في الشارع يبدأ المتحدثون فيها بالحديث عن موضوع الاستجواب، وينتهون بتسعير نيران طائفية وقبلية ومناطقية، او باستخدام مفردات نارية ضد هذا المسؤول او ذاك خارج حدود الذوق والادب التي جبل عليها الكويتيون، فتتحول النظرة المقابلة للاستجواب من نظرة احترام الى غضب وتتجمع عوامل الخوف على النظام العام والتعاون بين السلطات والوحدة الوطنية والامن والاستقرار الاجتماعي، ثم ينتج من هذا التجمع قرار بحل المجلس والدعوة الى انتخابات جديدة... فهل هذا ما يريده حاملو الامانة الشعبية؟

وعلى الضفة المقابلة، ضفة الحكومة، ينبغي رفع شعار «المكاشفة بدل المواجهة»، ويجب ان توقف الحكومة سياسة وضع الرؤوس في الرمال مثل النعامة وتستقبل بكل رحابة صدر استجوابات النواب من منطلق انها اداة مساعدة وتقويم لعمل الوزير، بهذه الطريقة تساهم الحكومة في تنفيس التصعيد النيابي وتنزع من النواب بعض مبررات التأزيم... وكم كنا نأمل ونتمنى ان تستجوب الحكومة نفسها يوما ما فتحاسب هي الوزير المقصر بدل ترك الموضوع للنواب.

كلما قدم استجواب للحكومة ثارت ثائرة الحكوميين من وزراء ونواب وهيئات وشخصيات، معتبرين ان المجلس يعتمد اجندة تصعيدية وان التعاون لا يستقيم في ظل وجود هذه الاجندة، الامر الذي يعطي التأزيميين في الضفة المقابلة اوراقا جديدة للتصعيد سياسيا وشعبيا على اساس ان هناك من «باق ومن خاف» او ان هناك من يستكثر على نواب الامة الرقابة والمساءلة. لذلك على الحكومة من رئيسها الى جميع وزرائها الترحيب بكل استجواب بل ومحاولة تأمين اجتماعات مكثفة بين الوزير المستجوب والنائب المستجوب للبحث في مضمون الاستجواب بدل تمترس كل طرف خلف جدار من الصلب يطلق من خلاله القذائف على الطرف الآخر، واذا لم يتأمن ذلك يذهب الوزير بكل هدوء الى المنصة ويفند المحاور ويترك الامر لقناعة ممثلي الامة في التصويت على حجب الثقة به او ابقائها.

وعلى الحكومة ايضا، ومن باب المكاشفة لا المواجهة، ألا تلجأ الى خيارات دستورية تصنف في خانة آخر الدواء، مثل الإحالات الى اللجنة التشريعية او المحكمة الدستورية او المناقشة في جلسة سرية. فهذا يزيد الامور اشتعالا ولا يخدم جهود التهدئة وطريقها الاقصر: المنصة.

النائب يركز في استجوابه على قناعة زملائه وتقبلهم لمنطقه وانتصارا لمحاوره ولا ينقل الاستجواب الى الندوات الشعبية لان قناعات الناس مهمة جدا في الاطار السياسي العام لكنها يستحيل ان تحل محل الآلية القاضية بأن النواب هم من يبقي الثقة او ينزعها، والحكومة مطالبة امام الناس بتوضيح المآخذ الواردة في محاور الاستجواب لا بإشعال نار جديدة سواء تعلق الامر بالمواجهة في ساحات الرأي العام من خلال وسائل معينة او بدفع المواجهة مع النواب الى مراحل اللاعودة بحجة عدم التعاون. والاسلوبان، النيابي والحكومي، اذا استمرا في الخط نفسه، فهما يسهلان على صاحب القرار اتخاذ القرار الذي يكرهه... ونكرهه جميعا.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي