| علي الرز |
لم يعد العنصر «اللقيط» مبعث خجل على مختلف المستويات. صار يتباهى بحضوره وانطلاقه وتأثيره وتدميره وردود الفعل التي يخلفها اقليميا ودوليا. كان دائما يتوارى في المناسبات فاصبح يفرضها ويوسع اطارها ليقحم فيها الجميع وتحديدا اولئك المتحدرين من ابوين شرعيين او اولئك الذين اعطاهم اللبنانيون شرعية تمثيلهم، فاذا به يمثل عليهم، وامامهم، دور البطولة في مسرحهم المفتوح على الهواء الطلق... متهاديا، مختالا، منتصب القامة يظهر وينطلق.
«لقيط» لكن فعله لا يقدر عليه ابناء الهويات المعروفة. مجهول المصدر والنسب. نبت شيطاني ينمو مثل الفطريات في مناطق جنوب لبنان وتعجز كل تقنيات ورادارات واجهزة الكشف عن رصده سواء تلك التي في حوزة القوات الدولية او التي يملكها الجيش اللبناني او طائرات «أم كامل» الاسرائيلية. لا تراه عين ولا يلفت نظر اهل المنطقة... لكنه يعمي انظارهم بردود الفعل التي يجلبها عليهم.
لا يريد احد ان يتبنى أبوته اقله في الوقت الراهن، لذلك تتبناه اسماء وهمية لتنظيمات وهمية ملحقة بـ «القاعدة»، فجسمها «لبيس». واحيانا كثيرة يخشى «اللقيط» ان يصدر بيان تبني اطلاقه قبل ان ينطلق، فهذا الامر حصل خلال تفجيرات العراق في العامين الماضيين، وفي بعض المواجهات الامنية والاغتيالات خارج العراق، وهناك ائمة ورجال دين قتلوا علنا وفي وضح النهار بعدما انتهت المهمة التي كلفوا بها في التجنيد والتعبئة للالتحاق بـ «الجهاد» هنا وهناك ودعم «القاعدة»... واتهمت «القاعدة» بقتلهم!
هذا «اللقيط» من ذاك الملجأ. يتزود الوقود من الخزان نفسه ويتزود البارود من المخزن نفسه وينقل تحت جنح الظلام بالشاحنات نفسها.
ولم يكن «اللقيط» ليتمختر ويتغندر رغم الاثمان المخيفة التي يتحضر لبنان الى دفعها، لو لم تكن السلطة الحالية في لبنان مخلوقا غريبا عجيبا مهجنا مطعما بصيغة لا مثيل لها في الكرة الارضية. فمن جهة هناك مؤسسات سياسية ورموز منتخبة ديموقراطيا، ومن جهة اخرى هناك قوة أمر واقع حقيقية على الارض تريد لهذه المؤسسات ان تكون مجرد واجهة وغطاء لتحركها المحكوم تماما بساعة الضبط الاقليمية. الصفقة كلها تكمن في مدى قدرة الغالبية التي لا تحكم على التفاهم مع السلطة الحقيقية المرتكزة على السلاح والصواريخ والبرنامج السياسي والتهديد الامني والتخويف من انهيار الاستقرار والوحدة الوطنية وانفلات الغرائز المذهبية.
ما هي حدود التنازلات بين الغالبية والسلطة الفعلية؟ كيف يمكن للمؤسسات ان تغطي عمل المسيطرين على الارض وتجمله احيانا وتخفف من تبعاته عربيا ودوليا؟ ما هي الصيغة المثلى للتعايش بين دولة لها دورها العام والتزاماتها المحلية والاقليمية والدولية وبين مقاومة لها خصوصياتها والتزاماتها المحلية والاقليمية؟ كيف يمكن التوفيق بين برنامج الدولة وموقعها ونهجها وسيادتها وبين برنامج السلطة الفعلية الحاكمة على الارض ونهجها وارتباطاتها الخارجية؟ هذه الاسئلة وغيرها هي التي ترسم اجاباتها خريطة طريق لما يسمى، جوازا، الوفاق الداخلي اللبناني وتؤدي الى تكوين سلطة لا تشبهها سلطة اخرى في العالم... تمر من تحت عباءتها مختلف انواع الصواريخ اللقيطة والمجهولة المصدر والنسب.
في السابق كانت اسماء التنظيمات الفلسطينية ومقرها دمشق تتسابق لاعلان مسؤوليتها عن اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، بل وصل الامر احيانا الى اعلان تنظيمين المسؤولية في وقت واحد. لم تكن الصواريخ «لقيطة» بل لها اكثر من أب وأم، اما الآن ونتيجة الاحتراف المطلوب لدى الاحتكاك بالفرق الاجنبية في ملاعب التسوية، فالافضل ان تبقى الصواريخ لقيطة لان الأب يمكن ان يظهر سلطته لا أبوته اذا نضجت التسوية.
قبل سبع سنوات «توقع» المسؤولون السوريون ظاهرة الصواريخ اللقيطة من جنوب لبنان. كتب اللواء الدكتور بهجت سليمان رئيس الفرع الداخلي في ادارة امن الدولة واحد اللاعبين الكبار في فترة ما داخل سورية وخارجها مقالا في صحيفة «السفير» اللبنانية (153) ربط فيه بين دعوة اميركا لانسحاب الجيش السوري من لبنان وبين تحول جنوب لبنان الى ساحة صراع مفتوحة وخلط الاوراق السياسية في لبنان و«تزايد نفوذ الاصوليين» واختلال التوازن الديموغرافي و«ارتفاع الاصوات التي تطالب باعادة صياغة السلطة» وخروج منظمات فلسطينية من سورية الى لبنان من دون ان يكون لها عليها اي نفوذ... ليخلص الى ان «الحاجة الى سورية كعنصر توازن ستظل قائمة بل ستصبح اشد».
حتى لو انسحبت سورية من لبنان فالقاعدة المستخلصة من «توقعات» بهجت سليمان تفيد بان «القاعدة» (اي «قاعدة») قاعدة على قلوب اللبنانيين، الى ان يدرك الغرب اهمية الحاجة الى سورية كعنصر توازن، فيختفي «اللقيط» او ينتقل الى دولة اخرى او... ينتحر!
alirooz@hotmail.com