من يحدد الضوابط؟

تصغير
تكبير
«يجب على المرأة المسلمة عند ظهورها على الرجال الأجانب الالتزام بالحجاب الشرعي وهو ما يستر عامة بدنها والكفين ويشترط فيه ألا يشف حتى لا يُرى شيء من البدن وألا يكون ضيقا يصف تفاصيل البدن، وألا يكون لافتا لنظر الرجال إليها». (هيئة الفتوى في ادارة الافتاء في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية 6-10-2009).

لست هنا في وارد الحديث عن الافضلية بين وجهة النظر الليبرالية في قضية حجاب النائبات الفاضلات وبين وجهة النظر الاسلامية المتشددة المتعلقة بالموضوع، فالمقال لمقام آخر يصب في الاتجاه نفسه انما من مقاربة مختلفة عن التصنيف وافعال التفضيل.

كثيرون ايدوا نجاح نواب اسلاميين في الاستحصال على فتوى تفسيرية لقانون مشاركة المرأة السياسية في الترشيح والانتخاب اساسها وجوب التقيد بالحجاب، وكثيرون اعترضوا على التحرك من بدايته، معتبرين ان ما اجازه الدستور لا تلغيه فتوى. والكلام في هذا الاطار، مع او ضد، لن يضيف الى القضية البعد الذي يجب ان تأخذه لانه سيكون صوتا داخل هذا المعسكر او ذاك... فيما المطلوب اعمق قليلا من ذلك.

قانون مشاركة المرأة اقره مجلس الامة وبالتالي يصبح نافذا من الناحية المبدئية، بغض النظر عن العوامل التي ادت الى زيادة فقرات عليه تؤكد وجوب التقيد باللباس الشرعي الاسلامي ولماذا زيدت هذه الفقرات في اللحظات الاخيرة لمنع الحرج عن هذا او ذاك او لاستقطاب مؤيدين للقانون؟

التقيد الحرفي بما جاء في القانون يعني الغاء حقيقيا للانتخابات التي جرت حاليا او التي سبقتها، لسبب جوهري هو عدم تقيد ناخبات ادلين بأصواتهن باللباس الشرعي. (يشترط للمرأة في الترشح والانتخابات الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية - قانون رقم 17 لسنة 2005).

نبدأ من هنا قبل ان نصل الى وجوب ان ترتدي النائبات الفاضلات الحجاب او اللباس الشرعي، اما وقد سارت الامور على ما سارت عليه واصبحنا امام فتوى صادرة من اعلى سلطة شرعية في الكويت فلا بد ان نتساءل عن حدود الضوابط الشرعية ومساحتها وامتداداتها.

نحن امام بحر من الاشكاليات ان لم نقل امام محيط من الحيرة، فالضجة كلها التي حصلت في الكويت كانت بسبب ضابط واحد من الضوابط الشرعية وهو الحجاب واللبس المحتشم، فما بالنا غدا لو تقدم غير نائب من هيئة الفتوى بسؤال عن الضوابط الاخرى التي اقرها الشرع للمرأة المسلمة.

ولا اخفي سرا، وقد امضيت الايام الاخيرة في قراءة كل ما يتصل بالضوابط الشرعية للمرأة، بأن الموضوع متسع شاسع في المعنى والمبنى الى الدرجة التي تقتضي اجتماعا لعلماء الامة الاسلامية قاطبة على امتداد العالم لترسية قواسم مشتركة للاجتهادات منعا لتضاربها وسعيا لتنظيمها. ففي موضوع غطاء الوجه نفسه هناك اجتهادات تجيز النقاب او البرقع وتفضله واخرى لا تحبذه وثالثة تمنعه بحجة انه «ذريعة في التوسع في ما لا يجوز»... وما على المسلم الا استقاء الفتاوى المتعددة من مصادرها لبلوغ العمق الذي نريد ان نبلغه في هذه القضية.

الخلوة بين الرجل والمرأة من اسس الضوابط الشرعية، فكيف لنائبة او وزيرة مثلا ان تستقبل زملاء او مراجعين او تعقد اجتماعا ثنائيا لحل موضوع او التنسيق في قضية. او لم يجمع الفقهاء على الحديث الشريف: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان»؟

وفي اللباس الشرعي المحتشم، نقرأ لكبار الفقهاء مثلا ان حكم العباءة المطرزة التي في اطرافها واكمامها قيطان «محرم لانه يؤدي الى الفتنة ولا يمكن ان نستر الزينة بزينة اخرى». عباءة طويلة واسعة محتشمة وضع بعض التطريز على اكمامها محرم، فيما نرى في ضابط آخر هو ضابط الصوت والعورة فيه درجات تعتمد على طريقة الالقاء ان صوت المرأة يمكن ان يعلو احيانا امام الرجال اذا كان صوت الخلخال الذي تضعه عند الكاحل مرتفعا، فصوت الخلخال يثير الفتنة وصوت المرأة يجب ان يخفيه. التطريز محرم لكن الخلخال يمكن ستر فتنته بصوت اعلى من الصوت الذي يصدره.

وفي الصوت ايضا اتساع وحدود كي تنتظم طبقته في اطار الضوابط، «فإن كان السّامع يتلذّذ به ، أو خاف على نفسه فتنةً حرم عليه استماعه». هذا بالنسبة الى السامع وما ادرانا ما طريقة استقباله بـ «تلذذ» لصوت المرأة وفي اي حال نفسية او ذهنية، اما بالنسبة الى المتحدثة فقد نصت الضوابط على انه «ليس للمرأة ترخيم الصّوت وتنغيمه وتليينه ، لما فيه من إثارة الفتنة». كما انها لا ينبغي ان تجيب السائلين الرجال الاجانب «بصوت رخيم بل عليها ان تغلظ صوتها».

وفي الضوابط ان «خروج المرأة متطيبة الى السوق حرام» وانه «لا يحل لها ان تتطيب ان مرت بجانب رجال». كما ان لبس الكعب العالي محرم، ونزع شعر الحاجبين محرم، اما «المنيكير» او طلاء الاظافر فيجوز وضعه انما بعد الصلاة.

ضوابط تحتاج الى مجلدات للشرح والتفسير، وتحتاج الى جهد علمائي استثنائي للتكيف مع الواقع والدور المطلوب للمسلمين في القرن الحادي والعشرين حيث المدنية والحداثة شرطان للتطور من دون التخلي عن قيمنا الدينية ومبادئنا الاجتماعية. فهذه الضوابط توصلنا الى قول الامام القرطبي رحمه الله «ان المرأة كلها عورة بدنها وصوتها» والى قول العلامة ابن عثيمين في «منار الاسلام» ان على المرأة المسلمة «ألّا تترك بيتها إلا لحاجة لا بد منها ولكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة وبدون مشية خيلاء».

وبعد حديث الضوابط الشرعية هناك حديث آخر، فصحيح ان الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع في الدستور الكويتي لكن المطلوب اجتهاد دستوري قانوني فقهي شرعي ديني يرسم الحدود الفاصلة بين ما هو دستوري وما هو فقهي. بمعنى آخر بين مبادئ الدستور وبين ضوابط الشريعة... وهذا الامر ايضا مقامه طويل ومقالنا قصير.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي