مَنْ يستحق أن يكون كويتيا؟


أعتذر أولا من القراء عن العنوان، وأعوذ بالله من شر السؤال وآفة العنصرية الكريهة، لأن أكثر ما يضيق له الصدر في الأجواء الراهنة هو أن ينصّب المرء نفسه وصيا على التصنيف فيخلع عباءة الوطنية على هذا وينزعها عن ذاك، أو أن تحول مجموعة سياسية أو طائفية الكويت إلى مختبر تحليل فتضع كل موقف أو تصريح تحت المجهر وتوزع شهادات الاختبار هنا وهناك على أساس أنها فوق الشبهات... تعطي ولا تتلقى.
أعتذر مجدداً، وأنا أرى كل يوم حالة تقترب من الهذيان في منابرنا وشوارعنا وساحاتنا ومؤسساتنا. تراجعت الكويت وتقدمت المناطق الداخلية والخارجية. تراجعت الكويت وتقدم البدوي والحضري. تراجعت الكويت وتقدم السنة والشيعة. تراجعت الكويت وتقدمت الجنسيات المزدوجة والولاءات الملتبسة.
هذيان حقيقي سرطاني وصلت السفاهة بأحد رواده ذات يوم إلى المطالبة بتسفير مجموعة كويتية كريمة إلى دولة إقليمية ببطاقات سفر ذهاب من دون إياب، وانتشرت عدواه للأسف الشديد بين صفوف من يجب أن يمثلوا الصورة المعاكسة. صفوف المثقفين والكتاب والإعلاميين وقادة الرأي والفكر. وقف هؤلاء على أبواب محترفي الفتنة والتفرقة والتزمّت والتعصب بدل أن يكون الأخيرون على أبوابهم يتعلمون منهم الحلم والروية والحكمة والهدوء. تزعق أصوات الانقسامات بكل أنواعها فتتلقفها الأقلام بين مؤيد ومعارض وينشغل الرأي العام بما يفترض أن يكون خارج كل الأولويات.
ومع ذلك، رأيت أن نفكر معا بصوت مرتفع للاجابة عن سؤال: «من يستحق ان يكون كويتيا؟».
يستحق ذلك من يرفض التباهي أو الاستقواء بأي انتماء آخر غير الانتماء للوطن، أي من يتمسك في لحظة تعصب أو دفاع أو ضعف أو مصلحة بانتمائه إلى عرق أو مذهب أو عائلة أو قبيلة أو منطقة.
ويستحق ذلك من لا يلجأ إلى الواسطة لكسر القانون، ومن لا يبدع ويبتدع في اختيار مختلف الأساليب للالتفاف على تطبيق القانون. فالقانون حصن الدولة وناظم عمل الديموقراطية وحامي الحريات من أي اساءة.
الكويتي هو من يحب لأخيه ما يحب لنفسه. المبتعد عن التزمت والتعصب والتطرف والعنف في علاقته العمودية بالدين وجوهر الرسالات السماوية وعلاقاته الأفقية مع اخوانه في الوطن وعلاقاته القانونية بالدولة.
والكويتي هو من لا يعتبر الكويت مجرد خزنة ترعى أحواله، يغرف منها بغير حساب ولا يعطيها ما تستحق.
والكويتي هو من يلتزم واجباته بالقوة نفسها التي يطالب بها بحقوقه.
والكويتي هو من يعتبر الكويت وطنا أبدياً ولا يتصرف على أساس أنها فندق يسكنه لفترة موقتة ويغادره عند كل «تقصير في الخدمات» أو كل مشكلة يتعرض لها أو تهديد يطوله.
والكويتي هو الذي يحترم الدستور ويصونه في كل تصرف ولا يتفنن في اختراق الأنظمة بدءا بالتعدي على المال العام وانتهاءً بكسر إشارة المرور.
والكويتي هو الذي يرسخ الديموقراطية ويطور الحريات في اطار المسؤولية والالتزام. وهو الذي لا يلجأ إلى تحميل الديموقراطية وزر الأخطاء التي يرتكبها أعداء الديموقراطية، وفي الوقت نفسه، لا يستغل الديموقراطية للإساءة إلى الأنظمة والقوانين والأفراد.
والكويتي هو الذي يقدس قيم العلم والعمل والانتاج والانجاز في كل المجالات. الرافض للاتكالية والكسل والاكتفاء بتعبئة اسمه في طوابير التوظيف. هو المبادر المراكم للتحصيل والخبرات. الناهل من لغة العصر ومفردات العصر وتقنيات العصر.
والكويتي هو من لا يستغل مشاعر الناس ومآسي الناس وآلام الناس وهموم الناس للفوز في جولة سياسية ظرفية مصلحية، وهو الذي لا يتاجر بديون الناس من أجل مكسب شعبي آني بينما مستقبل البلد يسقط شيئا فشيئا في اسر الديون السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
من يعمل تحت سقف المبادئ السالفة الذكر يستحق ان يكون كويتيا، حتى ولو لم يكن يحمل الجنسية الكويتية، ومن يستمرئ ضرب هذه المبادئ بعرض الحائط لا يستحق ان يكون كويتيا ولو حمل الجنسية الكويتية. فالعطاء للكويت بالعلم والانتاج والابداع، والعطاء بالدم، والاعتصام بحبل الوحدة، والالتزام بالقانون والدستور، والوفاء بكل الالتزامات الوطنية المطلوبة، واحترام الأرض والنظام والعادات والتقاليد والخصوصيات... كلها أوراق تعطي حاملها الجنسية.
طبعا، سيقال إن ما ذكرناه سابقا هو المدينة الفاضلة او المجتمع الذي لا وجود له إلا في رؤية افلاطون، وان التجاوزات موجودة في كل دول العالم، المتحضر منها والمتخلف، وان اسقاط صفة المواطنة لا يجوز حتى لو وجدت تجاوزات. ونحن نوافق ايضا على ذلك لكننا نزيد بأننا كنا نرد على حالة هذيان تريد ان تجرفنا من منطق الدولة إلى منطق القبيلة والطائفة والمنطقة بل والمزرعة، بحالة مبدئية تحاول العودة إلى منطق الدولة. كما اننا نتحدث هنا عن مبادئ عامة صادرة من تفكير بصوت عال وليس، معاذ الله، من وصي ينصّب نفسه موزعا للشهادات، فالدستور سقفنا وحامينا من آفة التصنيف وفتح مختبرات «الفحص الوطني». وصحيح ان التجاوزات موجودة في كل دول العالم لكننا نريدها ان تبقى الاستثناء لا القاعدة لأن ما يجري في الكويت يكاد يتحول الى... قاعدة.
اعتذر مرة اخرى عن عنوان المقال.
جاسم بودي
أعتذر مجدداً، وأنا أرى كل يوم حالة تقترب من الهذيان في منابرنا وشوارعنا وساحاتنا ومؤسساتنا. تراجعت الكويت وتقدمت المناطق الداخلية والخارجية. تراجعت الكويت وتقدم البدوي والحضري. تراجعت الكويت وتقدم السنة والشيعة. تراجعت الكويت وتقدمت الجنسيات المزدوجة والولاءات الملتبسة.
هذيان حقيقي سرطاني وصلت السفاهة بأحد رواده ذات يوم إلى المطالبة بتسفير مجموعة كويتية كريمة إلى دولة إقليمية ببطاقات سفر ذهاب من دون إياب، وانتشرت عدواه للأسف الشديد بين صفوف من يجب أن يمثلوا الصورة المعاكسة. صفوف المثقفين والكتاب والإعلاميين وقادة الرأي والفكر. وقف هؤلاء على أبواب محترفي الفتنة والتفرقة والتزمّت والتعصب بدل أن يكون الأخيرون على أبوابهم يتعلمون منهم الحلم والروية والحكمة والهدوء. تزعق أصوات الانقسامات بكل أنواعها فتتلقفها الأقلام بين مؤيد ومعارض وينشغل الرأي العام بما يفترض أن يكون خارج كل الأولويات.
ومع ذلك، رأيت أن نفكر معا بصوت مرتفع للاجابة عن سؤال: «من يستحق ان يكون كويتيا؟».
يستحق ذلك من يرفض التباهي أو الاستقواء بأي انتماء آخر غير الانتماء للوطن، أي من يتمسك في لحظة تعصب أو دفاع أو ضعف أو مصلحة بانتمائه إلى عرق أو مذهب أو عائلة أو قبيلة أو منطقة.
ويستحق ذلك من لا يلجأ إلى الواسطة لكسر القانون، ومن لا يبدع ويبتدع في اختيار مختلف الأساليب للالتفاف على تطبيق القانون. فالقانون حصن الدولة وناظم عمل الديموقراطية وحامي الحريات من أي اساءة.
الكويتي هو من يحب لأخيه ما يحب لنفسه. المبتعد عن التزمت والتعصب والتطرف والعنف في علاقته العمودية بالدين وجوهر الرسالات السماوية وعلاقاته الأفقية مع اخوانه في الوطن وعلاقاته القانونية بالدولة.
والكويتي هو من لا يعتبر الكويت مجرد خزنة ترعى أحواله، يغرف منها بغير حساب ولا يعطيها ما تستحق.
والكويتي هو من يلتزم واجباته بالقوة نفسها التي يطالب بها بحقوقه.
والكويتي هو من يعتبر الكويت وطنا أبدياً ولا يتصرف على أساس أنها فندق يسكنه لفترة موقتة ويغادره عند كل «تقصير في الخدمات» أو كل مشكلة يتعرض لها أو تهديد يطوله.
والكويتي هو الذي يحترم الدستور ويصونه في كل تصرف ولا يتفنن في اختراق الأنظمة بدءا بالتعدي على المال العام وانتهاءً بكسر إشارة المرور.
والكويتي هو الذي يرسخ الديموقراطية ويطور الحريات في اطار المسؤولية والالتزام. وهو الذي لا يلجأ إلى تحميل الديموقراطية وزر الأخطاء التي يرتكبها أعداء الديموقراطية، وفي الوقت نفسه، لا يستغل الديموقراطية للإساءة إلى الأنظمة والقوانين والأفراد.
والكويتي هو الذي يقدس قيم العلم والعمل والانتاج والانجاز في كل المجالات. الرافض للاتكالية والكسل والاكتفاء بتعبئة اسمه في طوابير التوظيف. هو المبادر المراكم للتحصيل والخبرات. الناهل من لغة العصر ومفردات العصر وتقنيات العصر.
والكويتي هو من لا يستغل مشاعر الناس ومآسي الناس وآلام الناس وهموم الناس للفوز في جولة سياسية ظرفية مصلحية، وهو الذي لا يتاجر بديون الناس من أجل مكسب شعبي آني بينما مستقبل البلد يسقط شيئا فشيئا في اسر الديون السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
من يعمل تحت سقف المبادئ السالفة الذكر يستحق ان يكون كويتيا، حتى ولو لم يكن يحمل الجنسية الكويتية، ومن يستمرئ ضرب هذه المبادئ بعرض الحائط لا يستحق ان يكون كويتيا ولو حمل الجنسية الكويتية. فالعطاء للكويت بالعلم والانتاج والابداع، والعطاء بالدم، والاعتصام بحبل الوحدة، والالتزام بالقانون والدستور، والوفاء بكل الالتزامات الوطنية المطلوبة، واحترام الأرض والنظام والعادات والتقاليد والخصوصيات... كلها أوراق تعطي حاملها الجنسية.
طبعا، سيقال إن ما ذكرناه سابقا هو المدينة الفاضلة او المجتمع الذي لا وجود له إلا في رؤية افلاطون، وان التجاوزات موجودة في كل دول العالم، المتحضر منها والمتخلف، وان اسقاط صفة المواطنة لا يجوز حتى لو وجدت تجاوزات. ونحن نوافق ايضا على ذلك لكننا نزيد بأننا كنا نرد على حالة هذيان تريد ان تجرفنا من منطق الدولة إلى منطق القبيلة والطائفة والمنطقة بل والمزرعة، بحالة مبدئية تحاول العودة إلى منطق الدولة. كما اننا نتحدث هنا عن مبادئ عامة صادرة من تفكير بصوت عال وليس، معاذ الله، من وصي ينصّب نفسه موزعا للشهادات، فالدستور سقفنا وحامينا من آفة التصنيف وفتح مختبرات «الفحص الوطني». وصحيح ان التجاوزات موجودة في كل دول العالم لكننا نريدها ان تبقى الاستثناء لا القاعدة لأن ما يجري في الكويت يكاد يتحول الى... قاعدة.
اعتذر مرة اخرى عن عنوان المقال.
جاسم بودي