فكروا في «صندوق صباح»

تصغير
تكبير
كل مسعى يقوم به المجلس او الحكومة للتخفيف عن كاهل المواطن ودعمه هو مسعى مشكور لكنه يبقى في دائرة اخرى خارج دائرة المشاريع الثابتة والمنتجة والمفيدة حاضرا ومستقبلا.
توزيع أسهم بنك وربة (جابر سابقا) والحديث عن اسقاط الديون او شراء قسم منها وصندوق المعسرين واجراءات دعم أوضاع المسرحين وزيادات الرواتب وغيرها وغيرها. أمور بعضها مر بالتوافق بين السلطتين وغالبيتها ما زالت رهينة الصدام والتكتيكات والمصالح الظرفية... وكلها مع الاسف عبارة عن عقاقير تسكين لحظية ان لم نقل ان لها مضاعفات سلبية على المدى الطويل، خصوصا لجهة التدمير التدريجي لقيم العمل والانتاج والمبادرات الخلاقة.
بعض من في المجلس ضغط في اتجاه تحويل توزيع الأسهم من استكتاب إلى منحة ونتمنى ان نصدق انه درس بتعمق الآثار الاقتصادية والمالية لذلك وانعكاساته على قيم العمل والانتاج، كما نتمنى ان نصدق ان الحكومة تريد فعلا تحسين حالة المواطن، لكن الفشل والتذاكي والخطوات الناقصة عندما تصبح عناوين ثابتة يصعب التصديق، فما تقوم به في الشكل هو محاولة لتحسين صورة تتآكل يوما بعد يوم واظهار قربها من الناس وقدرتها على التخفيف عنهم ودعمهم ماليا. اما في المضمون فالحكومة تعتقد انها تمتلك اوراق قوة جديدة تجاه استجوابات مقبلة بعدما ادمنت شراء مواقف بعض النواب بالتجنيس والعلاج بالخارج وتوزيع القسائم والامتيازات الاسكانية والتوظيفية وها هي اليوم تنقل الدفة مباشرة إلى المواطنين علها تشتري التعاطف... من دون ان ننسى ان «هدايا» الحكومة «تطورت» قبل عام إلى درجة توزيع أكياس معكرونة على الاسر الكويتية.

لا نريد ان نذكر بأن بعض ما يطرح حاليا من حلول مالية او دعم للمواطنين انقرض مع بدايات النظام الشيوعي، وان نظريات «المصنع للعامل» و«المؤسسة للموظف» و«الارض للفلاح» انتهت وأنهت معها دولا وأمما ومجتمعات، لكننا نريد ان نكرر ان الاوان آن ليستقيم العمل الحكومي والنيابي على قواعد علمية سليمة خلاقة ادارية نزيهة، ووفق برامج ومخططات ورقابة ومحاسبة. آن الاوان ليتصحح قصر نظر بعض من في الحكومة وبعض من في المجلس من خلال عقلية منتجة لا عقلية «واهبة». عقلية تفكر في المشروع لا في كيفية تمريره بمعاملات توزع. عقلية تركز على ارساء نظم وقواعد يستفيد منها الكويتيون مستقبلا ولو لم تكن شعبية راهنا ولا تركز على شراء العواطف مقابل مستقبل مفروش بالعثرات. عقلية تحترم دور القطاع الخاص وتتعلم من نجاح القطاع الخاص وتستفيد من تجارب القطاع الخاص ولا تنشئ منظومة مستترة لـ «القوى العاملة» المؤسسة لجيش من البطالة المقنعة.
وكي لا تفسر الامور بان هناك «مواقف حكومية ونيابية طيبة تحب الشعب وتريد ان تساعده» وهناك آراء قاسية ترفض كل ما يخفف عن الشعب. نسارع إلى اقتراح بديل من باب التدليل على عجز المسؤولين عن القيام بمبادرات خلاقة فعلا. اقتراح يعلم الصيد كي يأكل المرء كل يوم بدل ان نمن عليه بسمكة، ويترجم القول المأثور: «قليل دائم خير من كثير منقطع».
الدولة لديها فوائض مالية وخير كثير والحمد لله، والحكومة تمتلك عبر اجهزتها ومؤسساتها وهيئاتها أسهما كثيرة قوية في شركات منتجة. فلتنشئ صندوقا يطلق عليه اسم «صندوق صباح» برأسمال يتراوح بين 300 و500 مليون دينار مثلا بدل 76 مليون دينار كما هي الحال في بنك وربة، تحول اليه جزءا من أسهمها في الشركات المدرجة في البورصة بالقيمة الاسمية وليست السوقية. هنا اصبح الصندوق ومنذ اليوم الاول لتأسيسه عبارة عن تجمع مختلط لأسهم رابحة. ارباح هذه الأسهم السنوية توزع بالتساوي على المواطنين ويصبح لهذه الارباح ايضا آلية ملكية وشراكة معينة وسوق للاستثمار والبيع والشراء فيما تبقى ملكية الأسهم وادارة الصندوق للحكومة.
ان نعطي الإنسان ألف دينار مثلا كهبة فقد تساعده لمرة واحدة في شراء شيء، لكن ان نوظف له الألف دينار في قطاع استثماري مدروس ورابح فسيتنامى المبلغ وتتنامى عوائده. والامر كذلك مع تصرف المجلس والحكومة حول أسهم بنك وربة التي سيعطي توزيعها مبلغا معينا يحتاج 3 او 4 سنوات ليحقق مداخيل من دورة العمل في ظل ادارة شبه غائبة او صعبة التكوين، ولا يمكن مقارنة المبلغ بعوائد «صندوق صباح» الذي لا يحتاج إلى عناء كبير لادارته لانه، وكما اسلفنا، «كوكتيل» من الأسهم الرابحة منذ اليوم الاول.
قد يحصل بعض من في المجلس والحكومة على تعاطف ظرفي لحظي من خلال توزيع أسهم وربة، لكنهم ما زالوا يخسرون يوميا أسهمهم السياسية ويحرقون رصيدهم... ولن تتغير الاحوال أبدا إذا لم تتغير عقلية «المنح والهبات» والمصالح الانتخابية إلى عقلية الادارة والانتاج.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي