حادثة تعرض طبيب للضرب على يد أقارب مريض في مستشفى مبارك الجمعة الماضية ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة... فالعاملون في المهن المختلفة التي تقدم الخدمات العامة للجمهور سواء في الطب، أو التعليم، أو حتى الشرطة كثيراً ما يتعرضون للضرب والسب والقذف، وباتت هذه الظاهرة متفشية في الكويت تحديداً، فلا يمر شهر إلا ونسمع عن طبيب كُسر أنفه، أو مدرس تم طعنه، أو شرطي شُقت سترته إلى نصفين، وهذه الحوادث تتكرر بشكل كبير وبوتيرة متسارعة... فبعد أن كانت هذه الحوادث من النوادر أصبحت الآن شيئاً عادياً ومألوفاً... فما السبب في هذه الظاهرة المشينة والمحزنة في الوقت ذاته؟
نحن نفهم أن أهل المريض يكونون على أعصابهم وتنتابهم حالة من الحزن والألم والبكاء والعصبية، ونفهم أن أهل الطالب يعانون الأمرّين عندما لا يحقق ولدهم الدرجات المطلوبة في الامتحانات للمواد المختلفة، ونفهم أن هناك جانياً ومجنيا عليه في المخافر، ولكن كل هذا ليس مبرراً أن نأخذ حقنا بأيدينا في التو واللحظة، صحيح قد يكون الطبيب مهملاً، وقد يكون الأستاذ متعسفاً، وقد يكون الشرطي ظالماً، لكن في هذه الحالات هناك قنوات شرعية على المتضرر أن يلجأ إليها ليأخذ حقه من الطبيب أو المدرس أو الشرطي... لأننا لا نعيش في دنيا الغاب حتى يأخذ كل متضرر حقه بيده، وتتحول حياتنا إلى فوضى والبقاء يكون للأقوى بمعنى الكلمة.
الحادثة الأخيرة لطبيب مستشفى مبارك تجعلنا نقف لنطالع ما وصلنا إليه ونفكر كيف نقضي على هذه الظاهرة التي أصبحت أمراً عادياً في بلادنا، فمن الواجب على المسؤولين أن ينتبهوا لها، وأن يشرعوا القوانين اللازمة والحازمة لمعاقبة كل من تسول له نفسه الاعتداء على موظف أثناء تأدية عمله... صحيح أن هناك القوانين التي تعاقب الجاني ولكن نحن في احتياج إلى قوانين رادعة توقف تماماً من يتطاول على هؤلاءِ أثناء تأديتهم لعملهم، فمن غير المعقول ما يحدث في مستشفياتنا ومدارسنا ومخافر الشرطة وغيرها، لابد وأن تكون هناك قوانين جديدة يشرعها مجلس الأمة وتنفذها الحكومة لردع هؤلاء الغوغائيين الذين يتطاولون على من يقدم لهم خدمات جليلة من المواطنين وكذلك المقيمين.
لقد أصبحت مهنة الطب، والتدريس، وبطبيعة الحال العمل في الشرطة من المهن الخطرة التي قد ُتعرض صاحبها لا قدر الله إلى القتل أو التعذيب، ناهيك عن الإهانة والسب والقذف، ولاشك أنه من الأسباب التي جرأت الجمهور على التطاول على هؤلاء أنه لا يوجد رادع قوي لمن يعتدي على هؤلاء، فلم نسمع عن أحدٍ تمت معاقبته عقاباً شديداً لأنه اعتدى على موظف عام، بل كلها تهويشات تنتهي بالصلح وإن الله يحب المحسنين!
مع العلم أن ما نسمع عنه هو قليل جداً وهناك الكثير جداً يحدث ولا نسمع عنه، ومنه حادثة في شهر أبريل الماضي حيث تعرض طبيب قسطرة شهير في المستشفى الصدري لاعتداء وحشي من أهل مريض توفي، وكان الطبيب يحاول إنقاذه ولكنها إرادة الله. نعم الأخطاء الطبية موجودة ولكن ما الفائدة من أن نضرب الطبيب، هل نحن بذلك نعيد من فقدناه، وهل كان الطبيب يقصد ويتعمد أن يضر بالمريض؟ بالطبع لا. لذلك لابد من التدخل لسن قوانين جديدة تحفظ حق الجمهور، وحق الموظفين العمومين وعلى وجه السرعة حتى لا تتكرر هذه الحوادث المشينة والمحزنة في دولة القانون والمؤسسات.
د. حنان المطوع
كاتبة كويتية