«في بعض الأحيان يكون ضعف السمع نعمة عظيمة من الله». حكمة قديمة
(1)
سنروي لكم اليوم قصة قد تبدو غريبة، لكنها صحيحة، وبودنا بداية أن نورد ملاحظة مفادها أن أي تشابه بين ما يرد في مقالتنا هذه وبين الواقع من تشابه في المسميات الوظيفية والأحداث هو أمر مقصود وموثق وليس مجرد مصادفة.
تدور أحداث قصتنا لهذا اليوم في وزارة النفط، التي نعتقد أن علينا كإعلاميين إيلاءها مكانة خاصة بحكم كون وزارتي الإعلام والنفط بوزير واحد ومشترك، وسبحان من جمع وزارتين في حقيبة واحدة، أو حقيبتين في يد واحدة... وبالحلال!
وبالمناسبة لا أدري كيف تذكرت فجأة ومن دون مناسبة تباهي وزير الإعلام والنفط الشيخ أحمد العبد الله على شاشة إحدى القنوات المحلية منذ فترة، حين كان وزيراً للمواصلات، بأنه استطاع أن يحافظ على تسعة ملايين دينار في وزارة المواصلات، ونسي أو تناسى حينها أنه رفع عقاله للشعب الكويتي عند استجوابه عندما كان وزيراً للصحة ووزارته خسرانة 400 مليون دينار، والفرق بين الرقمين كبير على عكس تطابق الأداء في الوزارتين السابقتين والحاليتين!
والشاعر لونجفلو يقول «يقدر الإنسان نفسه حسب الأعمال التي يعتقد أنه يستطيع إنجازها، ولكن العالم يقدره حسب الأعمال التي ينجزها في الواقع»
(2)
كان يا ما كان يا سادة يا كرام، كان هناك موظف في أحد البنوك المحلية، قدم استقالته من عمله قبل فترة طويلة من مشكلة تسريح الموظفين وحتى قبل الأزمة المالية العالمية، ليتم تعيينه بوظيفة منسق إداري معاملات في وزارة النفط.
حتى الآن الأمر ضمن سياق طبيعي، ولكن لم يطل الأمر لتتم مخاطبة ديوان الخدمة المدنية لتعيين المنسق الإداري مديراً قبل أن يكمل شهراً في «تنسيق المعاملات».
كيف حدث ذلك؟ لا أحد يعلم لكنه حدث، فعين المذكور مديراً لشؤون المناقصات والتفتيش الميداني، لكن الديوان رفض التعيين فتمت إعادة مخاطبة الديوان بطلب استثنائه، وهو ما حصل فعلاً ليصبح مديراً «وكله بالقانون»!
لكن لم تنته فصول القصة التي تشبه مسلسلاً تركياً، وإن لم يكن بجاذبية ورومانسية تلك المسلسلات نفسها، فلم يكمل صاحبنا مدة عام منذ تعيينه مديراً حتى تمت ترقيته وكيلاً مساعداً للشؤون الإدارية والمالية بقدرة قادر!
(3)
ليس من شك في أن من ينتقل بهذه السرعة الصاروخية من منسق إداري إلى وكيل مساعد، لن يعتمد الطرق المتبعة في العمل، كما لم يتبع الطرق الطبيعية في الترقيات، فبدأ الرجل بالاجتهاد في تجميع محبيه ومواليه داخل الوزارة في ما يشبه الأحزاب والحركات المحظورة قانوناً، وإن كان حزب الأمة خارج النسق!
المهم أن صاحبنا بدأ بضرب الكفاءات داخل الوزارة بكل أريحية، في ظل غياب دور وكيل الوزارة بالوكالة، الذي يبدو أنه فضل التخلي عن صلاحياته بملء إرادته، والتنحي عن طريق «الصاروخ» ليصبح الرجل هو من يدير الوزارة فعلياً في ظل انشغال الوزير نفسه بملفات أخرى أكثر أهمية وحساسية خارج وزارته هذه، وربما خارج الوزارة الثانية أيضاً!
(4)
ولأن المنسق السابق نشيط ومجتهد، وهو من الكفاءات التي لم يستطع القطاع البنكي في «عزه» أن يرضي طموحاته ليتركه ويقصد القطاع الحكومي المصاب بفيروس الروتين والبيروقراطية. لذلك يشارك في كل لجان الوزارة من الألف إلى الياء تقريباً، وليس ذلك فقط بل إنه يعين من يشاء في اللجان ويقصي من يشاء، بل إنه يضع «بلوك» على من يتم ترشيحهم وتعيينهم.
وفي إحدى المرات تم ترشيح موظف لعضوية لجنة المشتريات من قبل وكيل مساعد لإحدى القطاعات، وصدر قرار بعضويته في اللجنة، لكن تم إلغاء عضويته من قبل «صاحبنا»، ومن دون الرجوع إلى وكيل القطاع دون أي مبررات اللهم إلا عدم نيله الرضا!
(5)
من الغريب كيف لا يلتزم من يقود وزارة النفط إدارياً بالدوام الرسمي، فالأخ يداوم حسب المزاج، ويحضر إلى مكتبه في الساعة الثانية عشرة في أحسن الأحوال عندما يكون المزاج رايق وعال العال، أي قبل انتهاء الدوام الرسمي بأقل من ساعتين، أما حين لا يأتي حتى نهاية الدوام فإنه يستدعي البريد إلى بيته، وهو ما يسبب تأخيراً وإرباكاً للعمل وتعطيلاً لمصالح الموظفين، خاصة مع ارتباط قطاعه بديوان الخدمة المدنية والجهات الأخرى في الدولة، وما يتطلبه ذلك من مراسلات مهمة وعاجلة أحياناً، وقرارات يجب البت بها سريعاً لموظفي الوزارة.
(6)
هذا غيض من فيض ما يجري في وزاراتنا ومؤسساتنا من قصص هي أقرب للخيال «غير العلمي» منها للواقع، لكنها تبقى حقيقة نشاهد وقائعها يومياً وتقلق كل من يخاف على مصلحة البلاد والعباد، فهل أصبح الإصلاح بعيداً أكثر بسبب هذه الممارسات والسكوت عنها، أم أن العجائب والغرائب السلبية تمكنت من فرض نفسها على واقعنا حتى أصبحنا بلا حول ولا قوة؟
أعانك الله يا كويت، وأعان سمو رئيس الوزراء الذي يثق الجميع بكونه رجل الإصلاح الذي يتحمل وزر أخطاء فريقه الوزاري ممن لا يحسنون القول ولا الأفعال بكل أسف، والحقيقة دائماً كالنحلة تحمل في جوفها العسل وفي ذنبها الإبرة!
ماسيج
- عودة شبح مخططات العمليات الإرهابية مناسبة للتذكير بأننا لسنا بمنأى عن الخطر، فاتعظوا يا أولي الألباب.
- يتردد أن بعض النواب نجح في فرض إرادته على وزارة «سيادية»... إن صح ذلك فقد هزلت!
- هل من المعقول أن يصل خلاف بين سفير وأحد ديبلوماسييه إلى درجة «يا أنا يا هو»، والله المفروض أن يعاقب الوزير الاثنين لأن من يفضل حل خلاف ديبلوماسي بالقوة لا يصلح لأن يكون ديبلوماسياً ولا حتى حارس سفارة!
- جميل ما سمعناه عن التعديلات المرتقبة لقانون المطبوعات والتي تشمل تغليظ عقوبة الإساءة للذات الأميرية، وتجريم إثارة الفتن الطائفية، وعدم المس «بكل الصحابة»، ووضع ضوابط للخدمة الاخبارية الهاتفية، نتمنى أن تفعل التعديلات.
- بشرتنا وزارة الكهرباء بأن شهر رمضان المبارك قد يشهد انقطاعات كهربائية، يعني بيضيع الناس صيامهم على الوزارة!
خالد عيد العنزي
كاتب وصحافي كويتي
Al_malaas@hotmail.com