لا فائدة من اجترار الكلام المنمق الذي تتشنف به الأسماع وخاصة في الآونة الأخيرة حول محاربة مظاهر الطائفية والقبلية والفئوية، ما دام هناك ممارسات واضحة وسلوكيات راسخة وثقافة متعششة في أوصال شرائح كبيرة من كل مكونات المجتمع الكويتي.
مع الأسف فكل المحاولات العلاجية السابقة لم تذهب إلى الأسباب الأساسية الأولية مباشرة، بل كانت تركز على وضع حلول للنتائج والآثار اللاحقة، وهذا ما تناوله النائب المحترم السابق أحمد المليفي في إحدى مقالاته.
الحقيقة أن بيئتنا المحلية تهيئ المناخ السيئ للانزواء خلف هذه التصنيفات، وهذا يرجع إلى التكوين الاجتماعي للشخصية الكويتية التي تربت منذ صغرها على هذه الانتماءات... كيف؟
إن النظم الانتخابية عندنا في الكويت بدءاً من انتخابات الجمعيات التعاونية، ومروراً بانتخابات اتحادات الطلبة، وجمعيات النفع العام، والمجلس البلدي، وانتهاءً بمجلس الأمة، هذه النظم بطبيعتها وكيفيتها تسمح، بل تشجع، وتعزز القبلية والطائفية والفئوية، فمعظمها تتم من خلال قوائم، وهذه القوائم مبنية إما على أساس طائفي أو قبلي أو فئوي، فذاك من ذاك... أن ترى قائمة مشكلة من الأطياف كافة من سنة وشيعة وحضر وبدو، وعليه فإن هذا الجو الانتخابي لم يتكون بمحض الصدفة، وإنما جاء وخُلِقَ من رحم النظم الانتخابية تلك التي أسهمت وفتحت الباب على مصراعيه أمام هذه الاصطفافات الضيقة المدمرة، الأمر الذي دفع بالناخبين والمرشحين كذلك إلى سلوك هذا المسلك اللاوطني في مختلف الانتخابات، وانكشف بصورة سافرة في نظام الدوائر الخمس السيئ، حتى أصبح هذا السلوك «طبعا» وأضحى جزءاً من مكونات الشخصية الكويتية التي تشربت بهذه الثقافة الديموقراطية المنحرفة، فمن شب على شيء فقد شاب عليه...
وبعد كل ذلك نأتي ونطلب من المواطن المسكين والناخب المغلوب على أمره عدم التمترس والالتفاف حول مرشحه الطائفي أو القبلي أو الفئوي وهو يعيش في تربة محروثة بهذه العصبيات، وهذا هو الأمر المستحيل. ولكن أخشى ما أخشاه بأن مقترح «الفتنة» ذا الدائرة الواحدة بالقوائم النسبية سيرفع من وتيرة النفس القبلي والطائفي والفئوي إلى قمته، ما لم يشترط أن تكون القوائم مشكلة من الأطياف كافة، وإلا على البلد السلام.
الوضع خطير منذ أعوام، والآن ازداد خطورة وفي حاجة إلى العلاج الناجع عبر إعادة نظر جذرية ونسف كل هذه النظم الانتخابية البالية، واستبدالها بنظم حديثة تؤصل الوحدة الوطنية، وتمنع أي نوع من أنواع الاصطفافات الضيقة سالفة الذكر، وفي الوقت نفسه تعمل على تصحيح سلوك وترشيد أداء الناخب والمرشح كلاهما معاً بشكل عملي، حتى يتلازم فيما بعد القول مع الفعل، فالقول بلا فعل لا يغني ولا يسمن من جوع.
شاكر عبدالكريم الصالح
كاتب كويتي
sh-al-saleh@windowslive.com