النواب وفتنة المناهج اتقوا الله وإلّا...

تصغير
تكبير
كما كل شيء في الكويت، تأخذ القضايا التربوية الاكاديمية التي تتطلب هدوءا استثنائيا وعقلانية مميزة، طابع الفرز والصراع، فتقحم المناهج في الخلافات ويتبارز المعارضون والموالون بسيف الطائفية لتحصين معسكراتهم السياسية، ناسين ان موضوعا مثل موضوع المناهج هو الاساس الذي يبني مجتمعا ومستقبلا.
التعليم في الكويت مظلوم، وظلْم ذوي القربى أشد مرارة من أي ظلم آخر. لنكن صريحين ونعترف لمرة واحدة بأن التعليم يحتاج الى ثورة حقيقية لمواكبة العصر والتطورات التقنية والحداثة من جهة ولربطه بالتخصصات الجامعية المطلوبة وبأسواق العمل من جهة اخرى. هكذا نقارب الموضوع مع الاحترام الكامل لكل من يطالب بتعديل المناهج «كي لا يستغلها التكفيريون» او بمن يريدها ان تبقى كما هي لانها «لا تسيء الى المذاهب والعقائد الاخرى».
ترك النواب موضوعا مصيريا شموليا مثل موضوع التربية والتعليم وركزوا اهتماماتهم على جزء وحيد منه يتعلق بالثقافة الدينية. هل قرأ النواب كتب اللغة العربية للمرحلتين الابتدائية والثانوية وعاينوا بدقة لماذا يتخرج الكويتيون ويذهبون الى الجامعة وجزء كبير منهم يخطئ في الاملاء والقواعد؟ هل تساءل هؤلاء لماذا نجحت مناهج المدارس الخاصة الاجنبية في استقطاب ابنائنا على حساب المناهج العربية المقررة من وزارة التربية؟ الجواب بكل بساطة لانها مناهج جذابة ومدروسة ومصممة كي يعجب بها الطالب قبل ان تكون مفروضة عليه.

كتب اللغة العربية تتضمن مواضيع جافة مثل النفط والربط الكهربائي وأزمات المياه في الخليج والغزو العراقي للكويت (والدرس الاخير غالبا ما يتجاوزه المدرسون ولا يدخلونه في المقرر)، اضافة الى قضايا دينية صرفة تتشابه كثيرا مع ما هو موجود في كتب التربية الاسلامية، فنجد سوراً وأحاديث ومقالات ودراسات لشيوخ افاضل مثل الشيخ محمد الغزالي او الكاتب فهمي هويدي، وبعض القصائد والمقالات لكتاب مثل طه حسين وعباس محمود العقاد. وبين كتب اللغة العربية والتربية الدينية مواد يجب ان تتعدل ليس لانها تخدم السنة على حساب الشيعة أو تخدم الشيعة على حساب السنة بل لان الضرورات الاكاديمية والتعليمية والمستقبلية تفرض ذلك.
أعطينا في السابق نماذج عن بعض ما نراه ضروريا للتعديل ونكرر اليوم ان التعديل يجب ان يطول الكثير من كتب اللغة والدين والعلوم والتاريخ والجغرافيا والتكنولوجيا. هكذا تفعل الامم المتحضرة التي تجعل من ضرورة مواكبة النتائج للتطورات والحداثة مسألة حياة أو موت بالنسبة الى مجتمعاتها. هناك فتيان وفتيات صغار يقرأون عن الحور العين وهم لم يبلغوا العاشرة من العمر، ويقرأون وهم في الثانية عشرة تفاصيل عن الحياة الخاصة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مع زوجاته لا تشكل سوى محطة فرعية وثانوية جدا في هذه المسيرة الانسانية العظيمة لا ندري نحن الكبار كيف نشرحها لاطفالنا الذين هم بحاجة الى قصص اخرى تجذبهم اكثر الى جوهر الدين وعظمة الرسالة، ويقرأون في الصف السادس أو الخامس ان المجاهد لا يكتب في الصحف ولا يلجأ الى الدول الكبرى بل يبذل الروح من اجل رسالته، فماذا نقول لاطفالنا الذين يسألوننا عن الصحف والدول الكبرى على ايام الرسول؟ ولماذا لا يقرأ ابن السابعة مثلا قصص الانبياء بدل تلقينه شيئا قد يستغل لاحقا في امور اخرى؟
وفي العلوم والرياضيات والتاريخ والجغرافيا قصور فظيع في مجاراة التطور الذي تعيشه المناهج الاجنبية وفي اسلوب التدريس حيث يتعلم الطلاب اسباب نشوء الامم وسقوطها، ويشاركون وهم صغار في دراسات يعبرون من خلالها عن آرائهم المقارنة بين عصر وآخر، فتزرع هذه الطرق في نفوسهم رغبات البحث المستمرة عن الاسباب والنتائج اضافة الى تشرب المادة بشكل جيد. وكذلك الحال في الرياضيات والعلوم حيث تتغير الاساليب من سنة إلى أخرى لتمكين الطلاب من الفهم والاستيعاب بأكثر من طريقة... أما عن التكنولوجيا فحدّث بلا حرج.
عيب جدا ما نراه اليوم من سجال لا علاقة له بالرغبة في تطوير التعليم والتربية. سجال يعيد الكويت 1400 سنة الى الوراء. سجال يحصر الدعوات الى التعديل في اطار الدعوات المذهبية والطائفية. سجال لا علاقة له بمستقبل اولادنا... وبئس هذه المناهج اذا كانت اسيرة هذا النهج.
عيب جدا ما يفعله النواب اليوم بل انهم يتجاوزون منطقة العيب الى مساحات الخطر. المطلوب اليوم سحب قضية تعديل المناهج من ساحة السجال الطائفي والمذهبي فورا وليستعرض النواب عضلاتهم في امور اخرى لا تهدد امن الكويت واستقرارها ومستقبل ابنائها، وعلى العقلاء التدخل لوضع حد لفتنة كنا نخشى استيرادها من الخارج، فإذا بنا اساتذة في تشكيلها... الامر بيدكم يا ولي الامر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي