«قبل أن يتكلم الرجل الحكيم عليه أن يفكر تماماً فيما يقول وفيمن يستمع إليه وأين ومتى يتكلم»، أمبروس
(1)
عندما يتكلم طوني بلير فإن ما يقال يجب أن يُسمع، ليس لأننا نعصمه عن الزلل، ولكن لأنه بلير ذاك الرجل الذي قاد بريطانيا، التي كانت امبراطورية لا تغيب عن أرضها الشمس، فهناك لا يعهد الأمر إلا لأهله، وليس من مكان للفيتامين «واو كومبليكس» الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه.
بالأمس أعلن عن غيض من فيض ما جاء في خطة «الكويت بحلول 2030» التي أنجزتها المؤسسة الاستشارية العالمية، التي يرأسها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وفيه من النصائح ما ينبئ بأن الأمر لم يعد من المقبول السكوت عليه على صعد كثيرة، وكأن طوني يقول لنا بطريقة شكسبيرية «To be or not to be that is the question»!
(2)
في تقرير بلير كثير من التحذيرات التي على «أحد ما» أن يسمعها، وعلى جهات تمتلك القرار أن تعمد لأخذها بالحسبان، كي لا نجد أنفسنا، وقد بدأنا نستنزف احتياطي الأجيال خلال خمسة أو ثمانية أعوام، كما تنبأ السيد بلير، الذي وضع الحل بخفض الإنفاق والهدر في القطاع العام.
وبالطبع، فإن بعضاً مما قاله التقرير لن يعجبنا، كدعوته إلى فرض الضرائب على الشركات والمبيعات، وتحرير الأراضي، وسواها من النصائح التي سيعتبرها البعض فضائح، لكن الحق يقال إن السيد بلير وضع يده على الجرح الذي امتهن الكثيرين ولمدة طويلة إغراقه بالمسكنات التي أضرت ولم تنفع.
(3)
يبشر التقرير المواطنين بأنه لم يعد بالإمكان استمرارية استيعابهم في القطاع العام، بالرواتب التي يتقاضون والأريحية التي ينعمون، وليت مستر طوني قال - اللهم لا حسد - لكن ثقافته منعته من مسايرتنا بإحدى المسلمات في مجتمعنا، والتي لا يؤمن هو بها!
ويزيد السيد بلير الطين بلة بأن يذكّر الكويتيين بأنه لا يمكن التنبؤ بإيرادات النفط، وأن نصيب المواطن منه إلى انخفاض. ويتابع أن التنوع الاقتصادي ليس كافياً للكويت، وان تحقق، والتــعليم لا يعد شباب الكويت للوظــــائف المنتجة في القطاع الخاص، الذي يرى فيه المحرك الأساسي لتوظيف المواطنين، وبالطبع من دون دعم عمالة ولا هم يحزنون!
(4)
وصف السيد بلير العلاقة المتأزمة دوماً بين الحكومة ومجلس الامة بأنها السبب في شلل النظام وعجزه، وهذا كلام لا غبار عليه، إضافة إلى ما اكتشفه التقرير بأن منصب رئيس الحكومة «الأساسي» يلعب دوراً فاعلاً في دفع خطط التنمية إلى التنفيذ، وهو كلام جميل إن أخذنا بعين الاعتبار استنتاجه أن الصعوبة أمام الحكومة ليست في تكوين «الرؤية»، لكنها في وضعها موضع الممارسة والتنفيذ، مما يعني ما سبق وقلناه وردده الكثير من الأخوة أعضاء مجلس الامة بأن المشكلة هي في الانطلاق نحو الإصلاح، وتوفير مستلزمات ذلك من تشكيل حكومي قادر أولاً وأجواء تعاونية ثانياً. وإلا فإن تردي الأوضاع وتراجعها هو المصير المحتوم والمستقبل القاتم هو البديل!
(5)
ليس بالإمكان طبعاً الإلمام بكل ما شملته الدراسة المكونة من ألف صفحة في مقالة، لكن هناك مفاصل أساسية كان لابد من الإشارة إليها، ولمن لم يطلع على الدراسة أو ملخصها لا نقول سوى: اسمع تفرح جرب تحزن! وأخيراً نقول: لقد قالها السيد بلير وبالفم الملآن: بلادكم في مأزق ونظامكم السياسي مصاب بالشلل، ولو كان طوني يتقن اللهجة الكويتية لقالها لنا بالعامية: ترا الياي مو كلش وانتوا متخزبقين ومو حاسين ونظامكم يبيله إصلااااااااااااااااااااح، فهل سمع أحد؟ وإن سمعوا فهل يتحركون؟
ماسيج:
- فريق عمل الحكومة مول يتجه إلى إغلاق «الحكومة مول»، مو جنه مبجر هالكلام؟
- بينما تتأمل الناس بالتجنيس تتسرب أنباء عن النية لسحب جنسية ثلاثين مواطناً... لا تعليق!
- 800 ألف دينار فقط هي مكافاة منتسبي وزارة الداخلية عن الانتخابات البلدية والنيابي، بالعافية عليهم يستاهلون، بس يا نواب اتقوا الله في المال العام المهدور بسبب الحل الذي لم يعد حلاً، إن لم يكن «غير دستوري»!
- وقوف الحكومة خلف وزير داخليتها أمر جيد ومشجع، لكن هل يكفي ذلك لوقف تأزيم ما قبل الصيف؟
- تسريبات عن نية لتقديم عاجل لاستجواب النائب الأول لسمو رئيس الوزراء، فهل بدأ العد العكسي لحل جديد؟
خالد عيد العنزي
كاتب وصحافي كويتي
Al_malaas@hotmail.com