أمسية سورية في ملتقى الثلاثاء

محطة / الشاعران إدلبي وعلوش يلونان وجع الروح بفلسفة الموت

u0627u062fu0644u0628u064a u0648u0627u0644u0642u0631u064au0646u064a u0648u0639u0644u0648u0634 u0641u064a u0627u0644u0623u0645u0633u064au0629 t( u062au0635u0648u064au0631 u0637u0627u0631u0642 u0639u0632 u0627u0644u062fu064au0646)r
ادلبي والقريني وعلوش في الأمسية ( تصوير طارق عز الدين)
تصغير
تكبير
| حنان عبد القادر |
كأنهما على موعد، التقيا ليعزفا معاً دون قصد مبيت كونشيرتو متشابه الوقع متقارب الروح رغم اختلاف المثير، ظن الحضور للوهلة الأولى أن ثيمة الموت التي غلبت على طابع لقاءات الملتقى طوال جلسات عدة نوقشت فيها فكرة الموت من جهات مغايرة، ووجهات نظر متباينة، قد ارتحلت بعيدا، لكن يبدو أنها ترجلت عن راحلتها، لتخيم إلى حين على أرواح المشاركين.
شاعران من الشقيقة سورية، كان لنا حظ التعرف إليهما في الجلسة الفائتة من ملتقى الثلاثاء الثقافي، كلاهما له باع مع المسابقات الشعرية العربية، عمر إدلبي عضو اتحاد الكتاب العرب، والناشط في مجال حقوق الإنسان حصل على جائزة الدكتورة سعاد الصباح وجائزة الشارقة للإبداع العربي، صدر له «حان وقت الغيم»، «غيم على شباكنا»، «يعلقنا قمرا وينام» وغيرها من الأعمال الشعرية والنقدية، والشاعرة سرى علوش التي تعمل في الحقل التعليمي بالكويت، حازت جائزة الشارقة للإبداع العربي بالإضافة إلى العديد من الجوائز السورية في الشعر، وقد صدر لها «نوافذها ورمال القلوب»، «كلام الحدائق».
قدمهما للحضور الشاعر الشاب سامي القريني الذي حلق بجناحي ضوء في سماء الشعر؛ فلم يخذله في حضرته البهية، وانساب في قريحته التي تشربت روح ضيفيه فقال في تقديمه لهما:
يقطفنا التيه...
ونتبع ظلا آخر في مجهول المعنى
كل فصول الأرض تجدف في أنهار فجيعتنا
يلفظنا الموت ؛ لنحيا قرب مواجعنا.
ورغم بدء اللقاء بالإدلبي، وتثنيته بسرى علوش، إلا أن روحاهما تلاقت حول وجع متشابه، ورؤية متقاربة حتى يظن أنهما متفقان ضمنا على طرحه:
يقول إدلبي:
كنت أمس بقربي وعلمتني الدمع ياموت
أنا عابر ليس أكثر
لكن بي عادة السنديان
جسرٌ حياتي
وللجسر فتنته
للضفاف تفاصيل ساحرة
للزمان غوايته، والمكان.
وتقول سرى علوش:
لم أمت قبل هذي الحياة لأعرف
إن كان يجدر بي أن أعد انتظارا يليق
بفتنة هذا الفراق الذي سوف يأتي
وإن كان لابد أن ألتقيه على قدمي
كما يفعل الأصدقاء إذا رتبوا موعدا
وقد أهدى الإدلبي نصوصه التي قرأها، لصديق معتقل قد أفرج عنه أخيرا، يشاركه أنين الروح فيها، وحلمه بالموت الذي لابد لنا من عبور جسرنا إليه:
لم يترك قطرة خمر إلا قص عليها تلك الليلة
كيف رأى في الحلم طريقا
يرصف فيه الموت خطاه إليه.
وها هو ذا الغياب، يلفنا بردائه، ويسيرنا في طرقاته كيفما شاء لا كما يحلو لنا:
وننام عراة على ساعد الموت
نبصره واقفا قرب باب الخلود
ويعجزنا عن مناداة أقفاله
فندلل خيبتنا بخلود الأساطير
حيث يظل لأسمائنا سحرها
وشموس طفولتنا لاتميل.
لكن سرى علوش تهدي تهويماتها إلى ذلك الذي خذل براءة أحلامها، وتركها: «شاردة تحت هدأته مثل ظل وحيد»، غير قادرة على الكتابة عن وجعها كالنساء، ولا دفن أسراره في التراب:
كنت أصغر من يده المطمئنة لي قبل هذا الغياب المباغت
فاخترت أن أكسر الشمس كالأغنيات على ركبتيه
وأنسى رجولته المستبدة كالحب في جيب معطفه
حين يشتد بي مرض الذكريات الشتائي
والذكريات لدى العلوش موت يفضي إلى موت، ووحدة تفضي إلى غربة، ويباس يقود إلى رماد:
الذكريات شواهد الموت البطيء على قبور
لم نغادر فوقها الأسماء بعد
ولم نضع أسرارنا فيها
لينبشها بكاء الآخرين على حدود الصمت.
وفي مداخلات لم تخل من إعجاب وروح رؤية نقدية، قدم الحضور آراءهم وتساؤلاتهم التي بدأها دخيل الخليفة بسؤال إدلبي عن غياب دور جيل الثمانينات والتسعينات عن الساحة الأدبية السورية، وكيفية تخلصه من علائق محمود درويش في الكتابة، كما سأل سرى علوش عن غيابها عن المشاهد الأدبية في الكويت.
وأجاب علوش أن المشهد الإعلامي الحالي مزيف ولا يعبر عن الواقع، وأن هناك من يحتل الساحة الإعلامية وهو غير أهل لذلك، واعترف أن الجيل الحالي لم يمتلك صوته بشكل كامل حتى يستطيع الخروج من عباءة درويش، بينما أرجعت علوش غيابها إلى تهميش غير الكويتيين على الساحة المحلية الكويتية.
هذا، وقد أكد الدكتور مصطفى عطية جمعة تأثر إدلبي بشعرية الثمانينات وأرجع ذلك لانشغاله بشكليات النص على حساب الجوانب الأخرى، داعيا إياه بإعادة قراءة الذات، بينما أثنى على تجربة سرى علوش، التي نعتها بصفاء اللغة والتخلص من تراكمات الصورة، معتبرا أنها قدمت طرحا جديدا في التعامل مع فلسفة الأشياء والذكريات والمعاني.
في الوقت نفسه، اعتبر مهاب نصر، لغة الشاعرين تدل على حرفية في الكتابة قد تكون سلبية أكثر منها إيجابية، فقد خلت من النتوءات التي تجعلها مغامرة متجددة، وعاب على الشاعر إدلبي إلقاءه الذي سار على وتيرة واحدة رادا ذلك إلى أن المشاعر، التي يعبر عنها ليس فيها ابتكارية تجعلها ترتفع وتنخفض مع الأفكار.
واعترف إدلبي باعتماده على الرؤية الشعرية القائمة على تداعي الصورة، وأنه لم يقتنع بشعرية ما كتبه سابقا لافتقاده التواصل مع المعنى مما يهدر الطاقة الشعرية، وأكد أن كثيرا ممن يكتبون الآن ربما يعانون من قطيعة مع المتلقي، وأنه يبحث دائما عن لغة شعرية، يتواصل فيها معه بشكل أكثر سهولة وقدرة على حمل المشاعر.
* شاعرة مصرية
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي