البدون إنسان وليس رقما في ملف


الجدل الدائر اليوم على اعداد المجنسين ومعايير التجنيس هو جدل، مع الاحترام الكامل لمطلقيه، في غير موضعه لانه يخفي مسألة جوهرية في غاية الاهمية الا وهي حرمان فئة كبيرة من المقيمين من حقوقهم الانسانية.
يقولون ان كشف المجنسين كان الفين وتقلص الى 1500 ثم الى الف فنحو 700. يقولون ان تلاعبا حصل ومحاباة اعتمدت وواسطات دخلت قدمها شيوخ ونواب ومسؤولون حكوميون كبار. يتحدثون عن اعتراضات على رقم الـ 700 نفسه ويريدونه اقل فيما يحتج آخرون على تقليص العدد من الفين الى 700... وكل من طرح بندا في هذه القضية يمتلك من المبررات الشيء الكثير وهي تعكس وجهة نظره ومن يمثل تجاه قضية ليست سهلة على الاطلاق بل هي في صلب الامن الوطني للدولة والمجتمع، ولكن بعض الهدوء مطلوب لمقاربة قضية بهذا الحجم.
500، الف، الفان... الرقم لا يهم رغم تأثيره الكبير في تركيبة سكانية صغيرة مثل تركيبة الكويت، فصاحب الحق سينال حقه ولو بعد حين، والذين تنطبق عليهم شروط الجنسية سيحصلون عليها. الخطورة في الموضوع، كما قلنا، ان الجدل يدور في غير موضعه ونخشى في حال استمراره ان يشكل غطاء نيابيا وحكوميا ورسميا لقضية اساسية اسمها الحقوق الانسانية لابناء فئة البدون.
لنكن واضحين.هناك قوانين واحصاءات ومعايير وشروط تتعلق بقضية البدون لم تطبق كما يجب، شأنها في ذلك شأن قوانين اخرى تم تجاهلها في البلد تتعلق بالكويتيين ايضا. ولنكن واضحين اكثر. نعم قد تحصل محاباة وتسويات وواسطات في قضية تجنيس البدون لكن ذلك يحصل ايضا في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعبر عنه حتى اكبر مسؤول في السلطة بقوله ان «الفساد لا تحمله البعارين». ومع ذلك فآلية اقرار القوانين لها مسارها وما لم نصلح المسار نفسه لا يمكننا عزل قضية التجنيس عن غيرها بغض النظر عن سجالات الارقام.
لم تكن قضية ملفات التجنيس لتصل الى ما وصلت اليه اليوم لو بذل الجميع ، حكومة ومجلسا ومؤسسات رسمية وهيئات مدنية وشعبية وحقوقية، جهدا في معالجة الجانب الانساني لاصحاب هذه الملفات. فالمحروم من حقوقه اليوم مشروع ازمة اجتماعية مستقبلا لان الحرمان سيصيب سلوكه بجراح مباشرة تترك ندوبا كبيرة، وتكفي نظرة سريعة الى ملفات المؤسسات الاصلاحية لاثبات ما نقول.
ان يحرم الانسان من الطبابة والتعليم وحق العمل وحق الزواج لهو الظلم بعينه. يرى الطفل رفاقه يحملون حقائبهم صباحا في طريق الذهاب الى المدرسة فيما والده ينتظر اعانة من هذه الجمعية واحسانا من فلان كي يتمكن من تأمين قسط يساعده على الذهاب الى مدرسة خاصة. يكبر عنده شعور الاختلاف عن غيره فينطوي اجتماعيا وهو يرى العلاقات الطبيعية بين الاصدقاء والرفاق، ثم يكبر ليواجه المشاكل نفسها في المستوصفات والمستشفيات والجامعات وفرص العمل... ومن يدري كيف تتجه به الريح.
القضية الاساسية ليست ملفات التجنيس واعدادها. فمن يعش بين ظهرانينا هو اخ كريم، والدولة لا تكتمل صورتها الحضارية الا بانصاف فئة كبيرة تقيم على اراضيها وتحاول المستحيل لتأمين عيش كريم والانخراط في دورة العمل والانتاج ناهيك عن التضحيات الكبيرة التي قدمها افراد من هذه الفئة في الذود عن الوطن في مختلف المراحل.
لا احد يقبل التجنيس العشوائي، لا نحن ولا غيرنا. ولا نريد موجات تجنيس لاهداف سياسية كما حدث في السابق ولا كما فعل غيرنا لان اللعب بالتركيبة السكانية معروف كيف يبدأ لا كيف ينتهي. لكننا لا نريد لانتهاكات حقوق الانسان ان تلصق باسم الكويت وهو الاسم الذي نفخر ويفخر ابناؤنا بانه مرادف للخير والتعاون والعطاء والاحترام.
ليت الجدل الدائر الآن يتجه الى حيث يجب، الى حقوق البدون الانسانية، ليتمتعوا بكل ما يجب ان يتمتع به الانسان من تعليم وطبابة وفرص عمل وعيش كريم... وعندها يصبح عدد ملفات التجنيس مجرد رقم في صورة عادلة بدل ان يبقى البدون، كما هو اليوم، ارقاما في ملفات التجنيس.
جاسم بودي