علي وعمر


علي وعمر شابان كويتيان وصلا السن التي تخولهما ممارسة حقهما في التصويت لاختيار أعضاء مجلس الأمة. وأرادا، شأنهما شأن الكثيرين من الشبان، تجاهل هذا الاستحقاق كونه لا يعني لهما كثيراً، خصوصاً بعد خيبات الأمل المتلاحقة، لكن دعوة سمو الأمير لهما وللآخرين باعانته على حُسن الاختيار وضرورة التصويت للأصلح، دفعتهما إلى المشاركة بفاعلية وتحضر، فاشتركا مع مجموعات شبابية أخرى في فرق عمل انتخابية عكست إرادة حقيقية للتغيير وأعطت أملا في كسر جبل الجليد الذي غلّف الممارسة الديموقراطية لعقود.
«التغيير» كان الشعار المحفز لعلي وعمر، إذ أثبتا باتفاقهما مع الآخرين أن الأهداف الوطنية أرقى وأجل من الأهداف الطائفية أو القبلية أو المناطقية.
اشتركا معاً في التصويت لنساء ولمرشحين من مختلف الملل والطوائف. عملا معاً في الحملات الانتخابية. ساهما معاً في زيادة الوعي بضرورة ترجمة الكلام السامي. طورا معاً أساليب الاستقطاب وايصال الرسائل سواء عبر الزيارات المعهودة للدواوين والمهرجانات الانتخابية أو بابتكار أساليب جديدة لمخاطبة الناس مثل اليوتيوب والمدونات والبريد الإلكتروني. وسهرا معاً حتى صباح النتائج واحتفلا معاً بالفوز، وصارا يُمنيان النفس بتحقيق طموحاتهما وطموحات الشباب الكويتي بتحديث التربية وقيام منظومة تعليمية تتضمن أحدث التقنيات في العالم، وتطوير الجامعات والكليات وتعزيز الاختصاصات وتوسيع قطاع العمل وفتح آفاقه وتنويع مجالاته خصوصاً إذا نجحت الكويت في تجاوز عقبات تحولها إلى مركز مالي في المنطقة، إضافة طبعاً إلى قضايا الصحة والاتصالات والخدمات العامة التي تعب الشبان وهم يرون احتضارها.
بعد الاحتفال عادت أمراض خبيثة إلى الواجهات السياسية والإعلامية. صحيح أن بعض مدمني وممتهني اللعب على الغرائز الطائفية والقبلية نجحوا في حصد أصوات كثيرة، لكن علي وعمر صارا اليوم أكثر قناعة بأن التغيير جسره الوعي الذي أظهرته الانتخابات الأخيرة، وأن مساحة الضوء التي أفرزتها النتائج لا بد أن تتسع وتزحف رويداً رويداً على مساحات الظلام. بدأت معزوفة المناهج والتكفير والظواهر السلبية وعبدة الشيطان والالتزام الشرعي للنائبات والمساجد الصح والمساجد الخطأ تصدح عبر الأثير، وكأنها تريد أن تمحو سريعاً العزف الوطني الجماعي الذي ظهر في بعض الدوائر الانتخابية أو كأنها تريد أن توجه رسالة صاعقة، تحديداً لعلي وعمر وأمثالهما من الشبان الذين تفوقوا على السياسيين في الوحدة والالتزام، بأن يتريثوا قليلاً في الفرح وألا يحلموا بالبناء على ما تحقق لأن الواقع هوالواقع، ولأن منظومة «التخلف السياسي والانقسام المجتمعي» التي سادت لفترة طويلة لها قيادات ومسؤولون ورموز وآليات عمل ومستفيدون ومصالح اقتصادية، وهؤلاء لن يسمحوا بالتغيير بل سيحاصرونه أينما وجد ويؤسسون لمراحل أسوأ منه حتى يترحم الجيل الجديد على المراحل السابقة.
علي وعمر يدركان أن ما حصل كان أشبه بالزلزال لبعض قوى التخلف ومن يساعدها أحياناً في دوائر السلطة، لكنهما ترجما دعوة الأمير لهما ولغيرهما بحُسن الاختيار ونجحا في حصد نتيجة التزامهما، وهما يدركان أيضاً أن هذه القوى لن تستكين بل ستحاول الانقضاض على الانجازات التي تحققت منعاً لسيادة وتعميم نهج مماثل في مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية... ومع ذلك راهن علي وعمر على أن التغيير الذي أفرزته الانتخابات سيقابله تغيير مماثل في تشكيل الحكومة وفق آليات جديدة ورؤى جديدة وأساليب جديدة وروح جديدة وثابة خلاقة تلاقي الناخبين، الذين انتصروا على أنفسهم وعلى معايير بالية متحجرة، في منتصف الطريق لاكمال مسيرة واعدة تنتظرها الكويت ويتمناها الكويتيون.
علي وعمر يتابعان طريقة التشكيل الحكومي ولا يريدان تصديق «كلام الجرايد» عن معايير الاختيار.
أبناء من الأسرة يتحدثون عن «محاور بين شيوخ الأسرة» واحد بقيادة فلان والآخر بقيادة فلان، وهذا يشترط وذاك يحشد ويستقطب. «كلام جرايد» قالا لأنفسهما... ثم تابعا القراءة.
هذا سيعود نكاوة بالنائب الذي هاجمه وكي لا تظهر الحكومة ضعيفة أمام النواب من بداية الطريق، وذاك سيعود لأنه كان وفياً ولم يظهر خلال أدائه لمهماته أي خطأ تجاه رئيسه.
هذا سيبعد لأنه شعر للحظة بأن المتغيرات أكبر مما كان يتوقع فأراد انقاذ نفسه بطرح مواقف شعبية انتخابية متعارضة مع مواقف الحكومة أملاً في الفوز مجدداً في الانتخابات، وذاك سيدخل الحكومة لأنه من قبيلة لها ممثلون كُثر في مجلس الأمة.
هذا سيدخل التشكيلة لأنه «من التيار وليس من التيار» في لعبة من الألاعيب المعروفة والممجوجة التي مارستها الحكومات في السابق، وذاك سيدخل لأنه يعادي منظومة سياسية معينة تريد الحكومة أن توجه لها «رسالة تأديب».
هذا سيدخل لأنه ضروري لاقامة توازن مع ذاك وقادر على معارضته في الحكومة وفرملة اندفاعه، وذاك سيدخل لأن معايير الاختيار من طائفة معينة تنطبق عليه.
«كلام جرايد»... كررا وهما يقتربان داخلياً من تصديقه ويؤمنان بأن الخلل إذا استمر في طريقة عمل الحكومة فإنه سيضرب بعنف ما فعلاه في الانتخابات. توقعا «تسريبات» تحمل جرعات تغيير صادمة تماماً كما حصل في الانتخابات لكنهما أصيبا بصدمة من «إشارات» المستشارين «العباقرة» لهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، وهي إشارات مريحة للقوى التي اعتبرت أن مشروعها تلقى ضربة كبيرة وغير مريحة على الاطلاق للقوى التي اعتبرت أنها لبت نداء الأمير بحُسن الاختيار.
علي وعمر أمام حكومة جديدة الآن تشكلت مثلما كان يحصل في السابق. علي وعمر خسرا نصف الرهان بطريقة التشكيل ويخدران النفس ويتمنيان أن تحافظ طريقة عمل الحكومة على نصف الرهان الآخر... وإن كان الإحباط سيد الموقف بالنسبة إلى كليهما.
علي وعمر اللذان فعلت دعوة الأمير فعل السحر في نفسيهما فلبياها، أحبطتهما الحكومة مجدداً وأعادتهما إلى واقع ما قبل الانتخابات.
علي وعمر يتابعان الآن معركة المناهج التربوية بين نواب شيعة وسنة ويتفاعلان مع موضوع مزدوجي الجنسية.
... قضية التغيير قد لا تبقى أولويتهما... صداقتهما قد لا تستمر.
جاسم بودي
«التغيير» كان الشعار المحفز لعلي وعمر، إذ أثبتا باتفاقهما مع الآخرين أن الأهداف الوطنية أرقى وأجل من الأهداف الطائفية أو القبلية أو المناطقية.
اشتركا معاً في التصويت لنساء ولمرشحين من مختلف الملل والطوائف. عملا معاً في الحملات الانتخابية. ساهما معاً في زيادة الوعي بضرورة ترجمة الكلام السامي. طورا معاً أساليب الاستقطاب وايصال الرسائل سواء عبر الزيارات المعهودة للدواوين والمهرجانات الانتخابية أو بابتكار أساليب جديدة لمخاطبة الناس مثل اليوتيوب والمدونات والبريد الإلكتروني. وسهرا معاً حتى صباح النتائج واحتفلا معاً بالفوز، وصارا يُمنيان النفس بتحقيق طموحاتهما وطموحات الشباب الكويتي بتحديث التربية وقيام منظومة تعليمية تتضمن أحدث التقنيات في العالم، وتطوير الجامعات والكليات وتعزيز الاختصاصات وتوسيع قطاع العمل وفتح آفاقه وتنويع مجالاته خصوصاً إذا نجحت الكويت في تجاوز عقبات تحولها إلى مركز مالي في المنطقة، إضافة طبعاً إلى قضايا الصحة والاتصالات والخدمات العامة التي تعب الشبان وهم يرون احتضارها.
بعد الاحتفال عادت أمراض خبيثة إلى الواجهات السياسية والإعلامية. صحيح أن بعض مدمني وممتهني اللعب على الغرائز الطائفية والقبلية نجحوا في حصد أصوات كثيرة، لكن علي وعمر صارا اليوم أكثر قناعة بأن التغيير جسره الوعي الذي أظهرته الانتخابات الأخيرة، وأن مساحة الضوء التي أفرزتها النتائج لا بد أن تتسع وتزحف رويداً رويداً على مساحات الظلام. بدأت معزوفة المناهج والتكفير والظواهر السلبية وعبدة الشيطان والالتزام الشرعي للنائبات والمساجد الصح والمساجد الخطأ تصدح عبر الأثير، وكأنها تريد أن تمحو سريعاً العزف الوطني الجماعي الذي ظهر في بعض الدوائر الانتخابية أو كأنها تريد أن توجه رسالة صاعقة، تحديداً لعلي وعمر وأمثالهما من الشبان الذين تفوقوا على السياسيين في الوحدة والالتزام، بأن يتريثوا قليلاً في الفرح وألا يحلموا بالبناء على ما تحقق لأن الواقع هوالواقع، ولأن منظومة «التخلف السياسي والانقسام المجتمعي» التي سادت لفترة طويلة لها قيادات ومسؤولون ورموز وآليات عمل ومستفيدون ومصالح اقتصادية، وهؤلاء لن يسمحوا بالتغيير بل سيحاصرونه أينما وجد ويؤسسون لمراحل أسوأ منه حتى يترحم الجيل الجديد على المراحل السابقة.
علي وعمر يدركان أن ما حصل كان أشبه بالزلزال لبعض قوى التخلف ومن يساعدها أحياناً في دوائر السلطة، لكنهما ترجما دعوة الأمير لهما ولغيرهما بحُسن الاختيار ونجحا في حصد نتيجة التزامهما، وهما يدركان أيضاً أن هذه القوى لن تستكين بل ستحاول الانقضاض على الانجازات التي تحققت منعاً لسيادة وتعميم نهج مماثل في مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية... ومع ذلك راهن علي وعمر على أن التغيير الذي أفرزته الانتخابات سيقابله تغيير مماثل في تشكيل الحكومة وفق آليات جديدة ورؤى جديدة وأساليب جديدة وروح جديدة وثابة خلاقة تلاقي الناخبين، الذين انتصروا على أنفسهم وعلى معايير بالية متحجرة، في منتصف الطريق لاكمال مسيرة واعدة تنتظرها الكويت ويتمناها الكويتيون.
علي وعمر يتابعان طريقة التشكيل الحكومي ولا يريدان تصديق «كلام الجرايد» عن معايير الاختيار.
أبناء من الأسرة يتحدثون عن «محاور بين شيوخ الأسرة» واحد بقيادة فلان والآخر بقيادة فلان، وهذا يشترط وذاك يحشد ويستقطب. «كلام جرايد» قالا لأنفسهما... ثم تابعا القراءة.
هذا سيعود نكاوة بالنائب الذي هاجمه وكي لا تظهر الحكومة ضعيفة أمام النواب من بداية الطريق، وذاك سيعود لأنه كان وفياً ولم يظهر خلال أدائه لمهماته أي خطأ تجاه رئيسه.
هذا سيبعد لأنه شعر للحظة بأن المتغيرات أكبر مما كان يتوقع فأراد انقاذ نفسه بطرح مواقف شعبية انتخابية متعارضة مع مواقف الحكومة أملاً في الفوز مجدداً في الانتخابات، وذاك سيدخل الحكومة لأنه من قبيلة لها ممثلون كُثر في مجلس الأمة.
هذا سيدخل التشكيلة لأنه «من التيار وليس من التيار» في لعبة من الألاعيب المعروفة والممجوجة التي مارستها الحكومات في السابق، وذاك سيدخل لأنه يعادي منظومة سياسية معينة تريد الحكومة أن توجه لها «رسالة تأديب».
هذا سيدخل لأنه ضروري لاقامة توازن مع ذاك وقادر على معارضته في الحكومة وفرملة اندفاعه، وذاك سيدخل لأن معايير الاختيار من طائفة معينة تنطبق عليه.
«كلام جرايد»... كررا وهما يقتربان داخلياً من تصديقه ويؤمنان بأن الخلل إذا استمر في طريقة عمل الحكومة فإنه سيضرب بعنف ما فعلاه في الانتخابات. توقعا «تسريبات» تحمل جرعات تغيير صادمة تماماً كما حصل في الانتخابات لكنهما أصيبا بصدمة من «إشارات» المستشارين «العباقرة» لهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، وهي إشارات مريحة للقوى التي اعتبرت أن مشروعها تلقى ضربة كبيرة وغير مريحة على الاطلاق للقوى التي اعتبرت أنها لبت نداء الأمير بحُسن الاختيار.
علي وعمر أمام حكومة جديدة الآن تشكلت مثلما كان يحصل في السابق. علي وعمر خسرا نصف الرهان بطريقة التشكيل ويخدران النفس ويتمنيان أن تحافظ طريقة عمل الحكومة على نصف الرهان الآخر... وإن كان الإحباط سيد الموقف بالنسبة إلى كليهما.
علي وعمر اللذان فعلت دعوة الأمير فعل السحر في نفسيهما فلبياها، أحبطتهما الحكومة مجدداً وأعادتهما إلى واقع ما قبل الانتخابات.
علي وعمر يتابعان الآن معركة المناهج التربوية بين نواب شيعة وسنة ويتفاعلان مع موضوع مزدوجي الجنسية.
... قضية التغيير قد لا تبقى أولويتهما... صداقتهما قد لا تستمر.
جاسم بودي