علي الرز / يوم ... علي حسن مجيد!

تصغير
تكبير
| علي الرز |

مستغرب استغراب قوى لبنانية كثيرة اعتبار سماحة السيد حسن نصر الله 7 ايار «يوما مجيدا»، فهل كانوا يريدونه ان يقول انه يوم مشؤوم احتل فيه مسلحون العاصمة فقتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا ودمروا ما دمروا واحرقوا من المؤسسات الاعلامية ما احرقوا؟
لو لم يكن 7 ايار في عرف سماحة السيد «يوما مجيدا» لما اقدم عليه اساسا. المستغرب الوحيد هو توقيت التوصيف الذي اعطى ماكينة 14 آذار زخما قويا تبني عليه لحصد المزيد من الاصوات ان احسنت توظيفه، رغم ان الفرز الغرائزي الطائفي وصل مرحلة من الانتشار لا تسمح الا بتناول عقاقير «تلبية النداء».
احتلال العاصمة عند منظومة «حزب الله» والحلفاء التابعين «يوم مجيد» اذا قيس بالمبررات التي اعطيت له والتي لن يعدم الحزب ولا الاحزاب الشمولية العربية والدولية من ايجادها وتشكيلها وتطويعها حسب مقتضيات المرحلة. منظومة الحزب مثل منظومة الاحزاب الحاكمة في الدول القريبة ترفع كل الامور التفصيلية اليومية الى مرتبة القداسة سواء الوطنية او القومية او الدينية، وهذه المرتبة ترتبط بالتمجيد كونها صادرة عن قيادة تأخذ شرعيتها مما هو اكبر من صناديق الاقتراع وخيارات الناخبين... الم يلاحظ المتابعون للشأن اللبناني كيف ان «حزب الله» يعتبر يوم الانتخابات النيابية المقبلة «يوما عاديا» فيما 7 ايار هو «يوم مجيد»؟
في سورية مثلا، الانتخابات تفصيل وترف. عملية معلبة موضبة سلفا لا يختلف يومها بالنسبة الى المواطن عن اي يوم عادي بل طالما كانت مدار تندر ومنبعا للطرائف عن «الترقيات» داخل الحكم. اما الاحداث الداخلية التي مرت في شريط الصراع على السلطة وما تلاها من عمليات امنية احبطت «المؤامرات» واعتقالات سياسية دجنت المعارضين فهي ايام «مجيدة» ذكراها ماثلة، بل لا يريد النظام السوري لاحد ان ينساها... تماما كما 7 ايار.
في عراق صدام حسين ايضا، الايام «المجيدة» اكثر من ايام السنة. وتشاء المفارقات ان يكون اسم احد ابطال هذه الايام «المجيدة» علي حسن مجيد التكريتي او علي حسن المجيد المعروف بـ «الكيماوي» كونه كان الرجل الذي اباد عشرات الآلاف من الاكراد بالسلاح الكيماوي واحتل الكويت وسحق انتفاضة البصرة. والجميع يذكر ويتذكر كيف ان النظام العراقي السابق كان يحتفل بايامه «المجيدة» التي يضيف اليها اياما اخرى جديدة كي لا ينساها احد. اما الانتخابات وخيارات الناس ودور هذه الخيارات في السلطة والمشاركة فكانت تبدو ضربا من المغامرة المجنونة اذا فكر البعض في الخوض فيها.
طبعا لا تجوز المقارنة باي حال من الاحوال بين «حزب الله» المقاوم الذي هزم اسرائيل بفضل جهاد عناصره وانضباطهم وتدينهم الحقيقي وبين الاحزاب البعثية الحاكمة التي حافظت على صيغ التهدئة مع اسرائيل، كما تستحيل قطعا المقارنة بين سيد الحزب وقائده الذي يلبس عمامة اهل البيت عليهم السلام والذي نجح سابقا في الامتحان الاصعب وهو دفع جميع اللبنانيين الى احتضان المقاومة، وبين قادة البعث او غيره من الانظمة الشمولية شرقا وغربا، لا في سلوكيات القيادة ولا في الرؤى الاستراتيجية ولا في التضحيات تحديدا، اذ كيف يتساوى من استشهد فلذة كبده دفاعا عن الارض والعرض بمن هرب هو واولاده قبل بداية المعركة مثل اسامة بن لادن وصدام حسين... ومع ذلك لا بد من الاعتراف بان لهؤلاء القادة جمهورهم ايضا الذي يسير خلفهم بالولاء المطلق ويمجد اعمالهم كلها ويعتبر كل مواطن في دولهم سقط بسلاح جماعة القائد انما هو «خائن وعميل»، اضافة الى التبريرات المتشابهة بان كل تحرك امني او عسكري انما حصل «استباقا» لفتنة او تمرد او انقلاب. المقارنة لا تجوز باي حال من الاحوال، لكنها تجوز طبعا بين «حزب الله» المقاوم قبل التحرير وبعده وبين «حزب الله» المنخرط في السياسة الداخلية بعد التحرير، فلكل مرحلة سماتها ومفرداتها مهما كان المشروع واحدا.
هنا، يبرز تراخي الحرص على الاجماع الوطني في محطات عدة. سواء في المهرجانات الحاشدة قبل استشهاد الرئيس الحريري تارة للرد على بيانات بكركي المطالبة بتطبيق بند الانسحاب السوري في اتفاق الطائف، وطورا في مسيرة الاكفان انتصارا لجيش المهدي في العراق وزعيمه مقتدى الصدر خلال المعارك مع القوات الحكومية والاميركية وما تخللها من هجوم على «شركاء في الوطن». اما بعد استشهاد الرئيس الحريري فيبدو ان تراخي الحرص على الاجماع انتقل الى مرحلة رمي الثقل كطرف مواجه ولو انقسم البلد عموديا وافقيا كما حصل في 8 آذار وما تلاه من تجميد لسلطة الغالبية بحيث تحولت المعارضة فعليا الى سلطة والسلطة الى كيان مشلول محاصر بالاعتصامات والتهديدات والخوف من انفلات ورقة السلم الاهلي... وصولا الى «اليوم المجيد» الذي اعطيت له مبررات لا صحة على ارض الواقع لاي منها.
في منظومة «حزب الله» والانظمة المشابهة، اعلام الحزب هو القائد والموجه والصحيح، لان «المنازلات الكبرى» لا تحتمل ترف التفكير، وعليه كانت المبررات الموجهة الى الجمهور الذي قاد اقتحام بيروت مدروسة ومعروفة النتائج، كما كان لزاما اسكات صوت المؤسسات الاعلامية التي يمكن ان تعرض رؤية اخرى اكثر صدقية وواقعية بالاقتحام والاحراق وهو الامر الذي انكره «حزب الله» او تعامل معه كأنه لم يكن... لكن الحريات الاعلامية التي بقيت مأساة المنظومات والانظمة الشمولية ولم يستطع المسلحون محاصرتها او تعطيلها كشفت بشاعة الاقتحام الهمجي الدموي، وهي البشاعة التي لا يجملها بالطبع اعتبار الشهداء الابرياء الذين سقطوا في بيروت «قتلى» واعتبار من سقط من المهاجمين «شهيدا».
اضافة الى ذلك، كان «حزب الله» قبل التحرير محاطا بمجموعة من الكتاب والادباء والمثقفين من مختلف الطوائف تواكب انجازاته وتمهد الطريق لمزيد منها من خلال ثقافة الاجماع الوطني والاحتضان الشعبي. كانت مجموعة تلعب بشكل مباشر وغير مباشر دورا في «أنسنة» العمل المسلح والتعبئة الحضارية في المواجهة مع اقذر عدو عرفته المنطقة. قبل «اليوم المجيد» وبعده، اتحفتنا مديريات التعبئة والتوجيه في الحزب والاحزاب الحليفة بمجموعة «مثقفة» من لون واحد احتلت الشاشات بقلة الادب والذوق وغياب المشاعر والحس الوطني وهي تمجد ما حصل وتهدد اهل بيروت بما قد يحصل، معتبرة ان من اقتحم بيروت «هم الكشافة فقط ويا ويلكم ويا سواد ليلكم ان تحركت قوات النخبة». لم يأسف هؤلاء «الادباء» لسقوط ضحايا. لاقتحام منازل ومؤسسات. لإحراق وسائل اعلام... أسفوا فقط لان عملية الاقتحام تأخرت بضعة اشهر «وكان يفترض ان تتم قبل ذلك بكثير ليتأدب من يجب ان يتأدب».
اسرائيل لم تهزم المقاومة... المقاومة هزمت نفسها في هذا «اليوم المجيد».

alirooz@hotmail.com



الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي