أمير... ووالد

تصغير
تكبير
قبل سنوات تلقيت اتصالاً مباشراً من المغفور له سمو الشيخ سعد العبدالله (وكان ولياً للعهد رئيساً لمجلس الوزراء) يعاتبني فيه على موقف الجريدة من أحد الوزراء ويذكرني بأن الكويت بنيت على الألفة والتسامح والتضامن. ويومها قلت له: «يا طويل العمر الوزير المذكور خالف هنا وهنا وهنا، ونحن ننشر المخالفات بالوثائق التي نعلن بعضها ونبقي بعضها الآخر طي الكتمان كضمان قضائي. وإذا كان الوزير متأكداً من صوابية موقفه فما عليه إلا الذهاب إلى القضاء اللهم إلا إذا كان يعرف أن الوثائق تدينه. وهذا الوزير هو عبء عليك يا طويل العمر وليس عنصراً مساعداً ونحن عون لك ولسنا عنصراً مؤزماً».
عندما انتهيت من حديثي تمنى عليّ، رحمه الله، أن أنتظر قليلاً على الخط ليستقبل ضيفاً، وسمعته يتحدث إليه بمودة مفرطة وأبوة ما بعدها أبوة. يسأله عن مدرسته ومأكله وثيابه وهواياته ثم يطلب منه بمحبة أن يجلس إلى جانبه ليكمل المكالمة: «جاسم سامحني هذا حفيدي يزورني ما شفته من خمسة أيام»، أجبته: «العفو كل العفو طويل العمر تفضل»، فرد عليّ: «تدري خلني اتصرف وإذا عندك شي تعال المكتب ومعك كل المستندات»، ثم ختم مداعباً: «لا أدري إذا كان حضور حفيدي خدمك أم خدم الوزير... ادعوا له انت والوزير بطول العمر».
دعوت له ولكل أبناء أسرته الصغيرة والكبيرة بطول العمر، لكن المكتوب مكتوب وها نحن قبل أيام من الذكرى السنوية الأولى لرحيل رجل كان المساهم الأساسي في فك الكويت من أسرها وكانت أبوته المساهم الأساسي في أسر الكويتيين بمحبته.

أميراً كان ووالداً... لا حواجز بينه وبين الكويتيين. أسلوب واحد في المعالجة كائناً ما كان الأمر. يتصل مباشرة ويستدرجك إلى منطقة الخجل الشديد لكثرة «مونته» ومحبته. يباغتك بالاتصال، بالسؤال عن التفاصيل الدقيقة المتعلقة بك وبأفراد أسرتك. بالدواء الذي تأخذه لآلام المعدة أو الظهر ويعطيك رقم طبيب يعرفه للتأكد من فاعلية الدواء. بدراسة ابنك وضرورة ألا يهمل اللغة العربية إذا كان في مدرسة أجنبية. ثم يجردك من أي سلاح تملكه بمجرد قوله «أمون عليك». تسقط كلماتك وأوراقك وأقلامك وردودك المجهزة فوراً وتجد نفسك قائلاً من دون تفكير: «اللي تأمر عليه طويل العمر يصير». يتمنى ولا يأمر لكنه مع ذلك يعطيك كل الفرصة لشرح الموضوع وتبيان وجهة نظرك.
لم ننسك يا سعد العبدالله كي نتذكرك. لم ننسك لأن الكويت لا يمكن أن تنسى أنك حملتها في قلبك وضميرك وارادتك فكنت علمها الخفاق يوم حاول الغزاة تمزيق علمها وكنت مساحتها الحافظة يوم تحولت المساحة إلى... محافظة.
أنت الذي تجاهلت المرض والألم والتعب كي تبقى صورة الناشطين لاستعادة الكويت ثابتة جامدة صامدة، وعندما عدت عقب التحرير أكملت معركة إعادة بناء الدولة مع أخيك سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رمز الشرعية، ومع أخيك سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، أطال الله في عمره، ومع جميع اخوانك وأهل الكويت... إلى أن ضعف الجسد أمام ضراوة المرض فـ «طلبناك» أن ترتاح وتبدأ رحلة العلاج لتعود إلى ديرتك مكللاً بغار الوفاء الكبير.
لم ننسك كي نتذكرك ولن تنساك الكويت، فبعض القامات مثل الأوطان وبعض الهامات ينابيع عطاء لا تنضب... أميراً كنت في هيبتك ووالداً كنت في إمارتك.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي