| علي الرز |
منطق «حزب الله» غريب عجيب في التعامل مع مصر. منطق فاشل بالتعبئة والممارسة. فخلال حرب غزة ركز الحزب هجومه على مصر متجاوزا الخطوط الحمر كلها داعيا الشعب الى الانتفاض والجيش الى التمرد والانقلاب، ولم يستوعب الحزب الاشارات الرافضة التي وصلته حتى من اقرب المصريين اليه فاستمر في سياسة التصعيد اللفظي وصولا الى استسهال اتهام دولة بحجم مصر وتاريخ مصر وقوة مصر بانها تؤدي دورا وظيفيا عند الاميركيين والاسرائيليين.
وهنا، لا بد من التوقف عند نقطة مهمة هي تكريس «حزب الله» لنفسه مرجعية شرعية تعطي شهادات الوطنية وتصدر اتهامات العمالة لاسرائيل. فهذا الموضوع في قمة الخطورة ليس لانه يصدر من خلفية تعبوية فحسب بل لانه يأتي في سياق التمهيد لعمل ما على الارض. ففي لبنان استمر الحزب لاكثر من عامين يتهم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والغالبية الحاكمة بانها عميلة لاسرائيل وتؤدي دورا مضعفا للمقاومة وتحاول النجاح في ما فشل به العدو الاسرائيلي، وارفق ذلك كله باعتصام شل وسط بيروت لفترة طويلة وكان منبعا لتخصيب الفتنة المذهبية من خلال الشعارات التي رفعت... ثم توج التحرك باحتلال بيروت في السابع من مايو العام الماضي وما رافق ذلك الاحتلال من قتلى وجرحى واحراق للمؤسسات الاعلامية، واستكمل باتفاق الدوحة الذي كان ترجمة عملية لسيطرة السلاح على العاصمة وقلب المعادلة السياسية بالقوة، لتتشكل حكومة حصلت فيها المعارضة على الثلث المعطل وبرئاسة من استمر الحزب وحلفاؤه لعامين يتهمه بالعمالة لاسرائيل.
في موضوع مصر، لم يكن الهجوم على دورها «المتخاذل» خلال حرب غزة واتهامها بمساعدة اسرائيل سوى مقدمة لدعوة الجيش والشعب الى التمرد. وبين الهجوم المركز والدعوة الى التمرد كانت قضية الخلية المعتقلة برئاسة سامي شهاب «القطبة المخفية» في السعي الى الترجمة الميدانية على الارض، وهو الموضوع الذي يبرره الحزب بان من حق الدول العربية ان تكون ميادين عمل للمقاومة لمساعدة الفلسطينيين في غزة على رغم ان المعتقل اعترف بانه كان يتحضر ايضا الى الانتقام لاغتيال القائد العسكري عماد مغنية من خلال مراقبة ممر قناة السويس المائي او السياح الاسرائيليين في سيناء.
نصل الى قضية اخرى. قضية السيادة وميادين تحرك المقاومة، وهذه النقطة تحديدا تحتاج الى توضيح. «حزب الله» احتكر «سيادته» على التحرك المقاوم من خلال السلاح والمعارك. ويذكر جميع اللبنانيين ان الحزب خاض مع «حركة امل» في جنوب لبنان افظع المعارك لاسباب مختلفة لكن جوهرها الحقيقي حصر ادارة المقاومة والعلاقة مع القوى الاقليمية الداعمة لها في يد الحزب. وفعل الشيء نفسه مع الشيوعيين والقوى الاخرى التي خاضت مواجهات مع اسرائيل، الى ان تمكن من ان يصبح مرجعية اساسية وحيدة في هذا الاطار. فهل ينتقد عدم سماح مصر، وهي دولة، بان تكون «ميدانا» لتحرك المقاومين وهو لم يسمح بذلك وهو تنظيم؟
ثم ان الحزب في مناطقه، وفي اطار «السيادة»، لا يسمح للقوى الامنية اللبنانية بالعبور والتجول او حتى بتطبيق القانون. بل انه اعتقل نائبا فرنسيا كان يأخذ صورا تذكارية وهو في طريقه الى مطار بيروت متهما اياه بتصوير اماكن سكن المقاومين، وكأن الاقمار الاصطناعية واستخبارات الجو والارض والبحر تنتظر نائبا بكاميرا يدوية عادية!. فهل يملك الحزب ان يهاجم مصر على اساس ان مشروع المقاومة اهم من السيادة؟
لم يعد الاستسهال في اخراج سياسيين ومسؤولين ومواطنين من وطنيتهم وعروبتهم امرا معيبا فحسب بل هو امر مشبوه اذا ترافق الاتهام بالعمالة دائما مع عمل ميداني على الارض. وقد انتقل الاتهام الى دولة بحجم مصر وتاريخ مصر وقوة مصر، وهو الامر الذي يسيء الى المقاومة قبل ان يسيء الى مصر والمصريين. مصر دولة وليست ساحة. مصر كيان وليست ضاحية جنوبية لعاصمة. مصر نظام وليست تنظيما... وربما كان هذا هو الفارق الاساسي بين منطقي طرفي النزاع.
alirooz@hotmail.com