إن العالم اليوم يعيد النظر في غالبية الأفكار والفلسفات التي كانت تعد يوماً في الفتوحات العلمية، وعلى سبيل المثال فقد كتبت «التايمز» البريطانية مقالاً مهماً قبل أعوام يشير كاتبه الى مسألة تاريخية وعسكرية تعد محسومة لدى المؤرخين البريطانيين، وهي مسألة هزيمة الاسطول الاسباني الشهير (الأرمادا) على يد الاسطول البريطاني، وكانت هذه الهزيمة بداية نشوء الامبراطورية البريطانية، وسيطرتها على البحار، ومنشأ ظاهرة الاستعمار بعامة وخصوصاً البريطاني منه، غير أن هذا الكاتب الانكليزي أشار الى ان البريطانيين لم ينتصروا في هذه المعركة، بل ولم يلعبوا دوراً عسكرياً حاسماً في انهاء المعركة لصالحهم، ولكن الذي حطم الاسطول الاسباني هو العواصف والأعاصير التي اجتاحته، وكل ما صنعه البريطانيون هو انهم نسبوا هذا الشيء الى أنفسهم، والحقيقة انه كان نصراً بغير معركة.
وأياً كان الأمر فإن التطور السريع والمطرد، والتغييرات الهائلة التي تشمل العالم في المستويات العديدة اصبحت تمس الكثير من الأساسيات، والأصول، والثوابت التي كانت أشبه بالمسلمات والبدهيات، ومما لا ريب فيه أن العالم اليوم صار أقرب الى روح الانصاف والموضوعية، وسيادة النظرة العلمية على النظرة الانفعالية والأيديولوجية.
هذه ثمرة من ثمرات النزاع ما بين الثقافة، والسياسة، والايديولوجيا، والمعرفة، وهذه ايضاً من اثار انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي ونزوع البلدان الى التحرر من الانظمة الشمولية والقمعية، الى جانب التطور الذي طرأ على العالم من جهة التدفق المعلوماتي الهائل، وتحرير هذه المعلومات من سيطرة السياسة والعقائد، زد على ذلك التغيير السريع الذي أدخلته تكنولوجيا العصر على حياة الإنسان في أشكاله المتعددة على صعيد التفكير، وأسلوب العيش، ونمط الحياة وغيرها.
وفي رأينا ان العالم يسير الى التكامل، والنضج، والوفاق في أشواطه المتوسطة ولعل أكثر ما يميز عصرنا اليوم هو الاعتدال في الأفكار، والممارسات، وتبني المناهج والسياسات، ولا نريد في هذا الصدد ان نفرط في التفاؤل، ولا نريد ايضاً ان نقول ان التطرف، والمغالاة، والتعصب، والارهاب، وتبني الافكار العتيقة ليس لها وجود. وللحديث بقية.
علي غلوم محمد
كاتب كويتي
Ali_Gh93@hotmail.com