تحرير الكويت من غزو... اليأس

تصغير
تكبير
مفارقة مؤلمة ان تلعب الكويت عربيا دورا قارب هزيمة المستحيل من خلال كسر جدار الانقسام العربي، فيما جدار اليأس يرتفع «طابوقة طابوقة» في حياتها السياسية الداخلية.
مفارقة مؤلمة لا يمكن رمي المسؤولية فيها على طرف دون آخر، بل لا يمكن ان نحمل السلطة وحدها بكل مجالسها وهيئاتها وزر هذا التراجع المخيف لاننا كمواطنين نتحمل جزءا مما يجري ايضا وان كنا الطرف الذي يدفع الثمن مرتين... اذا تخاصموا او اذا اتفقوا.
ومع ذلك لا يكلف الله نفسا الا وسعها. نحاول مقاومة اليأس لكننا نفاجأ بان جذوره اقوى مما كنا نظن وان عناصر مقاومتنا تتهاوى تدريجيا امام عناصر وجوده. تنهار توقعاتنا يوما بعد يوم بخطوة جديدة خلاقة للخروج من الازمة او بوجود اساليب جديدة مختلفة عن السابق تعيد للعبة السياسية وهجها. ننتظر مفاجأة خلف تكتيكات الصمت والغرف المغلقة ثم نكتشف اننا لسنا وحدنا في دائرة التوهان بل ربما كنا الاقلية هنا الى جانب رجال دولة ووزراء ومسؤولين ونواب وشخصيات صاحبة مواقف مشهود لها في الازمات. نعزي النفس باختلاس النظر الى «ما وراء الأكمة» لكننا لا نجد سوى ريح الازمة والخلافات تعصف وتجرف وتوجه المواقف في اتجاه التصعيد والتصعيد فقط.

واصعب ما في الامر هو الوقت القاتل للازمة حيث العالم بأسره يتحد لمواجهة الانهيارات المالية والاقتصادية فيما الكويت وحدها تغرد خارج السرب. تابعوا النقاش في اميركا بين الجمهوريين والديموقراطيين على مشاريع الخروج من المحنة فلن تجدوا سوى لغة واحدة مع بعض التميزات التقنية، وتابعوا ايضا نقاشات البرلمان البريطاني حول الموضوع نفسه فلن تعرفوا مَنْ مِنْ الاعضاء في حزب العمال ومن منهم في المحافظين، بل تابعوا تقارب اوروبا برمتها مع الولايات المتحدة لدعم الاقتصادات وانعاش اسواق المال لتعرفوا كيف تتصدى الامم المتحضرة لمواجهة الاعاصير... عالم يتحد بعد انقسام وبلد موحد ينجرف الى الانقسام تاركا ابناءه في مهب الريح.
وربما نجح اليأس في الحضور منفردا لاننا فشلنا في مواجهته مجتمعين. كل طرف من اطراف السلطة تعاطى مع الطرف الآخر كأنه معسكر معزول، وكل طرف من اطراف السلطة فوجئ بحجم الانقسامات والتسريبات داخله ومحاولة بعض اعضائه القفز من السفينة قبل ان تغرق او تتعطل. فللاتفاق لغة واحدة تجمع وللانقسام لغة واحدة تفرق ولا تقتصر مسيرته على سلطة دون غيرها بل انها تضرب بعمق داخل الفريق نفسه.
نواب يتهمون نوابا بكل انواع الاتهامات... من الذمة المالية الى الذمة السياسية الى الحروب بالواسطة عن طرف في الاسرة او الحكومة. ووزراء يساهمون في صياغة بيان الحكومة ثم يصدرون بيانا خاصا في الوقت نفسه مناقضاً تماما لبيان الحكومة وفي حساباتهم القفز السريع من كرسي الوزارة الى الترشيح للانتخابات، دون ان ننسى الوزراء الذين يتسرعون في الدفع باتجاه مواقف معينة ثم يتنكرون ويختبئون. اطراف في الاسرة تسرب عن اطراف في الاسرة كلاما كبيرا، واطراف اخرى في الاسرة تنفي وتحملهم مسؤولية التسريب الخاطىء وخيانة الامانات.
من سيتحاور مع من؟ ومن سيثق في من؟ وكيف لا يسرح اليأس ويمرح في الحياة السياسية الكويتية؟
عندما تتعامل على مدى عقود كل سلطة مع السلطات الاخرى على انها حزب منافس ومستقل... فهذه هي النتيجة حيث ستؤدي الذهنية الحزبية الى تشجيع «اعضاء كل حزب» على التمرد الضمني والانشقاق والتسريب والطعن في الظهر قبل صياح الديك.
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. اليأس موجود ونكذب اذا كابرنا ولم نعترف، ومع ذلك فلا يأس مع الحياة اذا كنا طلاب حياة، ولا يأس مع الوطن اذا كنا ابناءه. وربما كانت البداية من هنا... من الغالبية الصامتة.
الشباب الباحث عن حل وهو مهدد في رزقه وقوت يومه. الفاعليات الاجتماعية والاقتصادية والاكاديمية والرياضية والنسائية والثقافية. اركان المجتمع المدني المغيب بكل اطيافه... هم نقطة البداية في محاربة اليأس. هم ليسوا حكومة ولا يريدون ان يكونوا كذلك، وليسوا برلمانا ولا يريدون ان يكونوا كذلك، وليسوا جزءا من سلطة الصفقات والخلافات ولا يريدون ان يكونوا كذلك، لكنهم يستطيعون ايصال اصواتهم بمختلف الطرق والوسائل لانهم اصحاب المصلحة الفعليون في الاستقرار السياسي ودوران عجلة التنمية، ولان تحركهم سيكسر عاجلا ام آجلا الحلقة التي سُجنت فيها الحياة السياسية الكويتية بين مجلس وحكومة.
بالتعبير السلمي الحضاري، في وسائل الاعلام، في اللقاءات المباشرة مع المسؤولين، في الديوانيات، في النشاطات الفاعلة لا الخطابية فحسب، في المحاسبة عند الاستحقاق الانتخابي، في رفع المذكرات والآراء والمشاركة الحقيقية في ايجاد حلول مختلفة... في ذلك كله وغيره، ننفض عن عباءاتنا غبار اليأس ونضع اقدامنا على اول طريق التغيير.
اليوم يصادف «الجمعة 13» الذي تقول الاساطير انه يوم شؤم ... ومع ذلك اخترناه لنكرر: «لا يأس مع الحياة ولا يأس مع الكويت».
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي