| علي الرز |
حسنا يفعل النواب الايرانيون هذه الايام بالافصاح عما يحاول الموقف الرسمي «تهذيبه» بالديبلوماسية، فهم يذهبون بعيدا في مقاربة موضوع الجزر الاماراتية الى حد الاعلان عن تبعية دولة الامارات نفسها الى السيادة الايرانية كما قال عوض حيدر بور او بالتهديد بنزاع عسكري اذا احيلت القضية الى المحاكم الدولية كما فعل داريوش قنبري الذي رأى (في لحظة انسجام مع النفس) ان «من غير المنطقي ان تضع ايران اراضيها تحت اختيار هذه المحاكم».
حسنا يفعل هؤلاء لان القضية يجب ان تخرج فعلا من اطار الوهم الذي تزرعه ايران ويحصده الكثيرون في منطقتنا، فلغة التعاون والتضامن والحلول الهادئة وحسن الجوار لا تبنى على اسس مغايرة للنيات المعلنة، والسلم الاقليمي لا يستقيم مع تهديدات مناقضة له، والنزاعات لا تحل الا بإرادات صافية واضحة لا بأجندات باطنية تنتظر انضاج ظروف معينة.
صحيح ان الذي يتحدث ويضم دولة الى سيادته ويهدد بحرب شبيهة بالحرب الايرانية العراقية هو نائب وليس وزارة الخارجية، وصحيح ان ما ينشر في وسائل الاعلام «الخاصة» ليس شبيها بما ينشر في الوكالة الرسمية... لكن الصحيح ايضا ان قياس التباينات والمسافات في المواقف داخل دولة «ثورية» مثل الجمهورية الاسلامية امر شديد الصعوبة من جهة اضافة الى ان الموقف الرسمي للسلطة لا يختلف في العناوين العريضة عما يتحدث به النواب من جهة اخرى، سواء لرفض اي مرونة في مقاربة موضوع الجزر في اطار توافقي تعاوني او للممانعة المطلقة في احالة النزاع على التحكيم الدولي.
عقدة العقد في ايران ان السلطة فيها جعلت تحقيق اهدافها السياسية اولوية على اي امر آخر حتى لو تعارضت هذه الاهداف مع مصلحة الايرانيين كشعب ومجتمع، والاصعب في الموضوع هو اقتران هذه الاهداف بغطاء ديني يحذف من معادلة النقاش والحوار اجزاء رئيسية بحكم «القدسية» التي تقتحم الموقف والقرار واحيانا تسبقهما. هنا، يمتزج «الواجب الديني» بالواجب الوطني بالواجب السياسي بالواجب الامني في رباط لا فكاك منه، يشكل في حد ذاته اساس التجربة الجديدة التي قامت عليها الجمهورية الاسلامية بعد الثورة الاسلامية.
على سبيل المثال، اصبح انهاك المشروع الاميركي في المنطقة هدفا استراتيجيا لايران بعد سقوط كابول وبغداد. ومن اجل هذا الهدف كان لا بد من تطويع الادوات والقرارات وربما المعتقدات في فترة من الفترات. صارت استضافة قياديين من «القاعدة» امرا ممكنا رغم «عقائدهم» المعادية في السر والعلن والشكل والمضمون والفكر والممارسة لمذهب الدولة في ايران، وصار ارسال الانتحاريين الى العراق جزءا من مشروع المواجهة الكبرى مع «الاستكبار» حتى ولو انجز هؤلاء مهمة نحر الف شيعي عراقي في الطريق الى اصطياد جندي من المارينز، وصار التعاون مع «المقاومة الافغانية» التي ابادت آلاف الشيعة في طريقها الى الحكم قبل سنوات مساهمة جوهرية في انهيار مشروع الحرب الدولية على الارهاب.
هذه البراغماتية الصادمة التي تضع الهدف السياسي اولوية الاولويات ولو على حساب امور كثيرة، هي الاساس الواقعي الذي يمكن ان تبنى عليه المقاربات الخليجية والعربية للمواقف الايرانية من دون اوهام او اخطاء في الحسابات او تهور في ردود الفعل. هكذا تدير طهران ملف برنامجها النووي، وهكذا تدير علاقتها بالعراق وسلطته وميليشياته الشيعية و«قاعدته» السنية. هكذا تدير ملف التحالف مع سورية و«حزب الله» و«حماس»... ليس مهما ان يقف الايرانيون في الطوابير امام محطات الوقود في دولة نفطية يفترض انها حققت فوائض مالية ضخمة. ليس مهما ان يبقى الانسان الايراني دافع الضريبة الرئيسي لسياسات سلطته، فلا زيادة معتبرة في المداخيل ولا انجازات فعلية في مجالات التعليم والتكنولوجيا والصناعة والقطاعات الاجتماعية والتنموية الاخرى. ليس مهما ان تفشل الجمهورية الاسلامية في اقامة علاقات مع الكثير من الدول القريبة والبعيدة طالما انها تنجح في اطلاق صواريخ وتطوير اسلحة.
على الضفة الاخرى، ضفة الامارات العربية المتحدة التي تتعرض للاعتداء اللفظي من نواب ايرانيين ووسائل اعلام ايرانية، تبدو المقاربة مختلفة تماما. صاحب الحق متمسك بالحوار والهدوء وحسن الجوار والحرص على الامن الاقليمي. «يفشل» في اطلاق صواريخ وتطوير اسلحة، و«يفشل» في اعتماد لغة تهديد ووعيد ضد اشقاء الجوار، و«يفشل» في اعتماد سياسة التدخل هنا وهناك لمحاربة هذا المشروع او ذاك... لكنه ينجح في تمسكه بالحق دفاعا عن سيادته وفي اعتماد الوسائل المتحضرة لحل النزاعات إما بالطرق السلمية المباشرة وإما من خلال التحكيم الدولي، وينجح في جعل الانسان الاماراتي اولوية الاولويات فلا يعتمد الا السياسات والمواقف والقرارات التي تخدمه ولا يجعل الانسان الاماراتي وقودا لهذه الاولوية السياسية او تلك، وينجح في خططه لـ «تصدير التنمية» من خلال التعاون المنتج وفي كل المجالات مع اشقائه وجيرانه، وينجح في اعتماد خطاب سياسي عربي عاقل قائم على التضامن والمؤازرة الحقيقية لا على الشعارات وتحريض الشارع بما يتناسب واهداف المرحلة.
واذا كان الفارق بين ادارة السلطة في ايران وادارة السلطة في الامارات يُرى بالعين المجردة، فإن تهديد مسؤولين ايرانيين باندلاع نزاع عسكري او بالاعلان ان الامارات نفسها جزء من سيادة ايران يجب ان يراه الذين ما زالوا يشترون الوهم من طهران خليجيا وعربيا بالعين المجردة والمشاعر المجردة والحقائق المجردة والنفوس المجردة من الاهواء والاغراض والفتن... فربما كانت هذه هي الحسنة الوحيدة للتصريحات الايرانية.
alirooz@hotmail.com
حسنا يفعل النواب الايرانيون هذه الايام بالافصاح عما يحاول الموقف الرسمي «تهذيبه» بالديبلوماسية، فهم يذهبون بعيدا في مقاربة موضوع الجزر الاماراتية الى حد الاعلان عن تبعية دولة الامارات نفسها الى السيادة الايرانية كما قال عوض حيدر بور او بالتهديد بنزاع عسكري اذا احيلت القضية الى المحاكم الدولية كما فعل داريوش قنبري الذي رأى (في لحظة انسجام مع النفس) ان «من غير المنطقي ان تضع ايران اراضيها تحت اختيار هذه المحاكم».
حسنا يفعل هؤلاء لان القضية يجب ان تخرج فعلا من اطار الوهم الذي تزرعه ايران ويحصده الكثيرون في منطقتنا، فلغة التعاون والتضامن والحلول الهادئة وحسن الجوار لا تبنى على اسس مغايرة للنيات المعلنة، والسلم الاقليمي لا يستقيم مع تهديدات مناقضة له، والنزاعات لا تحل الا بإرادات صافية واضحة لا بأجندات باطنية تنتظر انضاج ظروف معينة.
صحيح ان الذي يتحدث ويضم دولة الى سيادته ويهدد بحرب شبيهة بالحرب الايرانية العراقية هو نائب وليس وزارة الخارجية، وصحيح ان ما ينشر في وسائل الاعلام «الخاصة» ليس شبيها بما ينشر في الوكالة الرسمية... لكن الصحيح ايضا ان قياس التباينات والمسافات في المواقف داخل دولة «ثورية» مثل الجمهورية الاسلامية امر شديد الصعوبة من جهة اضافة الى ان الموقف الرسمي للسلطة لا يختلف في العناوين العريضة عما يتحدث به النواب من جهة اخرى، سواء لرفض اي مرونة في مقاربة موضوع الجزر في اطار توافقي تعاوني او للممانعة المطلقة في احالة النزاع على التحكيم الدولي.
عقدة العقد في ايران ان السلطة فيها جعلت تحقيق اهدافها السياسية اولوية على اي امر آخر حتى لو تعارضت هذه الاهداف مع مصلحة الايرانيين كشعب ومجتمع، والاصعب في الموضوع هو اقتران هذه الاهداف بغطاء ديني يحذف من معادلة النقاش والحوار اجزاء رئيسية بحكم «القدسية» التي تقتحم الموقف والقرار واحيانا تسبقهما. هنا، يمتزج «الواجب الديني» بالواجب الوطني بالواجب السياسي بالواجب الامني في رباط لا فكاك منه، يشكل في حد ذاته اساس التجربة الجديدة التي قامت عليها الجمهورية الاسلامية بعد الثورة الاسلامية.
على سبيل المثال، اصبح انهاك المشروع الاميركي في المنطقة هدفا استراتيجيا لايران بعد سقوط كابول وبغداد. ومن اجل هذا الهدف كان لا بد من تطويع الادوات والقرارات وربما المعتقدات في فترة من الفترات. صارت استضافة قياديين من «القاعدة» امرا ممكنا رغم «عقائدهم» المعادية في السر والعلن والشكل والمضمون والفكر والممارسة لمذهب الدولة في ايران، وصار ارسال الانتحاريين الى العراق جزءا من مشروع المواجهة الكبرى مع «الاستكبار» حتى ولو انجز هؤلاء مهمة نحر الف شيعي عراقي في الطريق الى اصطياد جندي من المارينز، وصار التعاون مع «المقاومة الافغانية» التي ابادت آلاف الشيعة في طريقها الى الحكم قبل سنوات مساهمة جوهرية في انهيار مشروع الحرب الدولية على الارهاب.
هذه البراغماتية الصادمة التي تضع الهدف السياسي اولوية الاولويات ولو على حساب امور كثيرة، هي الاساس الواقعي الذي يمكن ان تبنى عليه المقاربات الخليجية والعربية للمواقف الايرانية من دون اوهام او اخطاء في الحسابات او تهور في ردود الفعل. هكذا تدير طهران ملف برنامجها النووي، وهكذا تدير علاقتها بالعراق وسلطته وميليشياته الشيعية و«قاعدته» السنية. هكذا تدير ملف التحالف مع سورية و«حزب الله» و«حماس»... ليس مهما ان يقف الايرانيون في الطوابير امام محطات الوقود في دولة نفطية يفترض انها حققت فوائض مالية ضخمة. ليس مهما ان يبقى الانسان الايراني دافع الضريبة الرئيسي لسياسات سلطته، فلا زيادة معتبرة في المداخيل ولا انجازات فعلية في مجالات التعليم والتكنولوجيا والصناعة والقطاعات الاجتماعية والتنموية الاخرى. ليس مهما ان تفشل الجمهورية الاسلامية في اقامة علاقات مع الكثير من الدول القريبة والبعيدة طالما انها تنجح في اطلاق صواريخ وتطوير اسلحة.
على الضفة الاخرى، ضفة الامارات العربية المتحدة التي تتعرض للاعتداء اللفظي من نواب ايرانيين ووسائل اعلام ايرانية، تبدو المقاربة مختلفة تماما. صاحب الحق متمسك بالحوار والهدوء وحسن الجوار والحرص على الامن الاقليمي. «يفشل» في اطلاق صواريخ وتطوير اسلحة، و«يفشل» في اعتماد لغة تهديد ووعيد ضد اشقاء الجوار، و«يفشل» في اعتماد سياسة التدخل هنا وهناك لمحاربة هذا المشروع او ذاك... لكنه ينجح في تمسكه بالحق دفاعا عن سيادته وفي اعتماد الوسائل المتحضرة لحل النزاعات إما بالطرق السلمية المباشرة وإما من خلال التحكيم الدولي، وينجح في جعل الانسان الاماراتي اولوية الاولويات فلا يعتمد الا السياسات والمواقف والقرارات التي تخدمه ولا يجعل الانسان الاماراتي وقودا لهذه الاولوية السياسية او تلك، وينجح في خططه لـ «تصدير التنمية» من خلال التعاون المنتج وفي كل المجالات مع اشقائه وجيرانه، وينجح في اعتماد خطاب سياسي عربي عاقل قائم على التضامن والمؤازرة الحقيقية لا على الشعارات وتحريض الشارع بما يتناسب واهداف المرحلة.
واذا كان الفارق بين ادارة السلطة في ايران وادارة السلطة في الامارات يُرى بالعين المجردة، فإن تهديد مسؤولين ايرانيين باندلاع نزاع عسكري او بالاعلان ان الامارات نفسها جزء من سيادة ايران يجب ان يراه الذين ما زالوا يشترون الوهم من طهران خليجيا وعربيا بالعين المجردة والمشاعر المجردة والحقائق المجردة والنفوس المجردة من الاهواء والاغراض والفتن... فربما كانت هذه هي الحسنة الوحيدة للتصريحات الايرانية.
alirooz@hotmail.com