لا شك أن خطوة الرئيس أمين الجميل المتمثلة بلقاء النائب ميشال عون كانت في غاية الشجاعة. لا يقدم على مثل هذا النوع من الخطوات، التي يمكن أن يساء فهمها من كثر، سوى رجل يتمتع بكل مواصفات الرجولة والإقدام، خصوصاً ان ميشال عون لعب كل الأدوار المطلوبة منه من أجل المساهمة في تغطية جريمة اغتيال رمز الشباب والمستقبل النائب الوزير بيار أمين الجميل قبل سنة تقريباً، والنائب الكتائبي أنطوان غانم في سبتمبر الماضي. لم يكتف ميشال عون بتغطية جريمتي اغتيال نائبي حزب «الكتائب»، أي بيار أمين الجميل وأنطوان غانم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قبل تبني الجريمة والاستفادة منها إلى أبعد حدود بترشيح أحد عناصره، حتى لا نقول أزلامه، ليحل مكان بيار أمين الجميل. ولم يخف سعادته بأن ينجح هذا العنصر بأصوات الأدوات السورية بدءاً بـ «حزب الله» الذي يتحكم بثلاثة آلاف صوت شيعي في قضاء المتن... وانتهاء بـ «القوميين السوريين» الذين لم يستحوا من التبني العلني لاغتيال الرئيس اللبناني المنتخب الشيخ بشير الجميّل في العام 1982 إرضاء للنظام السوري. من يريد أن يتذكر طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين بشير الجميل وميشال عون في مرحلة ما قبل وصول الأول إلى الرئاسة؟ كانت من نوع العلاقات بين الرئيس والمرؤوس، بين الزعيم وأحد المعجبين به. هل يتذكر ميشال عون تلك المرحلة وكيف كان مجرد تابع لبشير الجميل ينفّذ له كل ما يريده ويطلبه منه من دون أي أسئلة؟كان أمين الجميل في غاية المروءة والشهامة والرجولة وقتذاك، عندما اكتفى بسجن القاتل، قاتل شقيقه، رافضاً تولي إحقاق العدالة بنفسه عندما كان في موقع الرئاسة. الكبار لا ينتقمون. الكبار يتعالون على الثأر. الثأر من شيم الصغار الصغار مثلما أن القتل صفة ملازمة للجبناء، هؤلاء الجبناء الذين قبل ميشال عون تغطية جرائمهم. سار في تغطية كل الجرائم بدءاً بجريمة اغتيال رفيق الحريري صاحب مشروع البناء والإعمار وكل ما له علاقة بالتطور وبالمستقبل في لبنان ومعه باسل فليحان وآخرون. كذلك، قبل بكل امتنان تغطية جريمة اغتيال الأخ والحبيب سمير قصير الكاتب والصحافي الفذ الذي يمثل كل ما هو حضاري في لبنان وسورية وفلسطين، والمناضل العربي جورج حاوي والزميل الحبيب جبران تويني الذي تحمل الكثير، بما في ذلك استهداف حياته، في الفترة التي كان فيها مدافعاً عن ميشال عون في الأعوام 1988 و1989 و1990 من القرن الماضي. قبل ميشال عون تغطية كل الجرائم والتفجيرات التي وراءها النظام السوري، والتي شملت التخلص من الأكثرية النيابية باغتيال نائب بيروت وليد عيدو، ثم التخلص من أنطوان غانم. حتى بعد اغتيال نجله وصديقه، ترك أمين الجميل العدالة للسلطة القضائية ولمؤسسات الدولة اللبنانية. لم يتدخل في شؤون القضاء. تركه يأخذ مجراه حتى عندما تعلق الأمر في الماضي باغتيال أخيه. تعالى على الجرح في العام 1982 إثر اغتيال بشير حتى بعدما أصبح رئيساً للجمهورية، وتعالى على الجرح مجدداً في العامين 2006 و2007 لدى اغتيال نجله بيار صديقه أنطوان غانم. أراد بكل بساطة أن يبعث برسالة فحواها أن المهم هو لبنان، وأن كل التضحيات تصغر أمام إنقاذ الوطن الصغير. في المقابل، بدا ميشال عون وكأنه يريد القول باستمرار إنه على استعداد للذهاب إلى النهاية في تنفيذ رغبات النظام السوري بما في ذلك تعطيل انتخابات الرئاسة كي يتأمن نجاح مرشح هذا النظام وهو الفراغ ولا شيء آخر غير الفراغ.أياً يكن رأي المواطن العادي الذي لا يزال مغشوشاً بميشال عون أو ذلك الذي اكتشفه باكراً أو متأخراً، يظل أن اللقاء الذي حصل بين الشيخ أمين والنائب عون كان مهماً، أقلّه من زاوية واحدة. سيسمح بمعرفة ما إذا كان في استطاعة «الجنرال» العودة إلى جادة الصواب أي إلى التيار الاستقلالي في لبنان. هذا التيار الذي يضم الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين أخرجوا القوات السورية من لبنان. وعلى رأس هؤلاء أهل السنة الذين تدفقوا من كل المناطق على بيروت للمشاركة في تظاهرة الرابع عشر من آذار 2005. هؤلاء الأحرار من كل الطوائف والمناطق أخرجوا القوات السورية من لبنان في السادس والعشرين من أبريل 2005 في ما بقي الجهاز الأمني السوري يعمل في كل المناطق مستفيداً من التغطية التي أمنها له «حزب الله» الذي تحول إلى حاضن لميشال عون وتياره.يستطيع ميشال عون بعدما التقاه أمين الجميل إثبات أنه حر عبر الإقدام على خطوة رمزية تتمثل في الانسحاب من مخيم البؤس والبؤساء والبائسين الذي أقامه «حزب الله» وسط بيروت إرضاء للنظام السوري الذي تعهد رئيسه للشهيد رفيق الحريري في اللقاءين الأخيرين بينهما بـ «تدمير» بيروت في حال اضطراره إلى سحب جيشه من لبنان. لم يتردد رفيق الحريري بعد الزيارتين الأخيرتين لدمشق في نقل التهديدات المباشرة التي تلقاها من بشّار الأسد إلى القريبين منه كي يكونوا شهوداً على ما تعرض إليه من ظلم، وكي يفهموا طبيعة ما يواجهه من ضغوط من أجل تمديد ولاية إميل لحود.يبدو السؤال المطروح على ميشال عون في غاية البساطة. هل هو إنسان حرّ فعلاً، أم بات أسير اللعبة التي أدخل نفسه فيها والتي كشفها الزعيم الوطني وليد جنبلاط منذ ما قبل عودة «الجنرال» إلى لبنان من منفاه الباريسي، تلك العودة التي يعود الفضل فيها إلى دم رفيق الحريري ورفاقه الذي بذل من أجل استعادة لبنان لحريته وسيادته؟ في حال كان حراً، يقدم ميشال عون على هذه الخطوة مع الاعتذار إلى اللبنانيين عن الأضرار التي ألحقها بهم وعن تلك التي نجمت عن الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة وسط المدينة...أي في قلب لبنان الذي يستهدفه النظام السوري.هناك عشرات الامتحانات التي يفترض أن يخضع لها ميشال عون في حال كان يريد إعادة تأهيل نفسه والانضمام إلى ركب الأحرار. يستطيع على سبيل المثال الاعتراف بأن كل نائب يرفض حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يطعن لبنان والمسيحيين في الظهر. كذلك، يستطيع التخلي عن وهم رئاسة الجمهورية وأن يسير، من دون أي نوع من العقد، مع نسيب لحود الرجل النظيف والمعتدل والمنفتح الذي يفتخر به كل لبناني شريف. كذلك يستطيع أن يؤيد أمين الجميل بصفة كونه صاحب خبرة عريقة في المجال السياسي. يكفي أنه قاوم النظام السوري طوال ست سنوات رافضاً الرضوخ لشروط هذا النظام الذي عمل كل شيء من أجل تمزيق البلد وتفتيته. رفض أمين الجميل وقتذاك توقيع أي ورقة لغير مصلحة لبنان كما كان يريد السوريون.في كل الأحوال هناك أسماء عدة لمرشحين يمتلكون مؤهلات تجعل منهم قادرين على خدمة لبنان وتقديم الوجه الحضاري للبلد الصغير إلى العالم. هناك شارل رزق وهناك بطرس حرب وآخرون. لماذا لا يدعم ميشال عون أحد هؤلاء في حال كان بالفعل مهتماً بمصلحة لبنان واللبنانيين ويريد المحافظة على حقوق المسيحيين بدلاً من لعب دور أداة الأدوات التي تخدم مشروع «لبنان - الساحة»، أي لبنان الملحق بالمحور الإيراني - السوري. هذا المحور الساعي إلى الانقلاب على الطائف لا أكثر ولا أقل والوصول إلى دستور جديد يقر المثالثة، بين السنة والشيعة والمسيحيين، بديلاً عن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان. يوفر اللقاء مع أمين الجميل، الذي يأمل أن تليه لقاءات أخرى لعون مع قياديين مثل سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، فرصة كي يكون الجنرال ولو لمرة واحدة في خدمة لبنان والمسيحيين. ربما كانت الخطوة الأولى التي عليه الإقدام عليها الاقتناع بأنه غير مؤهل لموقع رئيس الجمهورية. في حال لا يصدق ذلك، ما عليه سوى قراءة الحقائق العشر التي تلخص شخصيته، والتي تظهر من خلال ما يقوله ويكتبه شخصان لا وجود لأدنى شك بولائهما للبنان هما كارلوس أده ودوري شمعون... هل من أمل باستعادة ميشال عون إلى صف الوطنيين والشرفاء والأحرار في لبنان. أم فات أوان ذلك؟
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن