في عام 1922م، كان العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين يَحضُر مؤتمراً في طوكيو، فأتاه ساعي البريد ببرقية مستعجلة في فندق أمبريال الذي كان حينها يسكنه، وعند مكتب الاستقبال تفقد أينشتاين شيئاً من المال في جيبه، لكنه لم يجد شيئاً يقدمه لساعي البريد كتقدير رمزي له، فطلب ورقة وقلماً من موظف الاستقبال، ثم كتب: «حياة هادئة ومتواضعة تجلب المزيد من السعادة، أفضل من السعي لتحقيق النجاح الذي يرافقه اضطراب دائم ومستمر». ثم كتب أيضاً: «عندما يكون هناك إرادة يكون هناك دائماً طريقة لتحقيقها». ثم كتب اسمه على الورقة ووقّع عليها، ثم أعطاها لساعي البريد، وقال له: خذها لك، وأظن بأنه في يوم من الأيام ستكون هذه الورقة أغلى بكثير من ذلك البقشيش الذي كنت سأعطيك إياه. ??وبعد أن توفي أينشتاين بسنوات، عرض ساعي البريد الياباني الورقة التي كتبها له أينشتاين بخط يده في إحدى المزادات، فبيعت الورقة بـ1.8 دولار. وبالفعل صدق أينشتاين في الكلمات التي كتبها، وصدق أيضاً ظنه في أن الورقة ستكون أغلى بكثير من ذلك البقشيش الذي لم يجده متوافراً حينها في جيبه.في إحدى المرات جمعتني الأيام برجل من أقاربي معروف بالحكمة والحِلم والأناة، عاركته الأيام وعاركها حتى أصبح شيخاً مُسناً، وكنت حريصاً في جلستي معه تلك بأن أستفيد منه قدر استطاعتي من دون إضاعة للوقت، حيث كان ذلك الشيخ من النادر أن يستجيب لدعوات الزيارة التي تأتيه، وقليل أيضاً في ملاقاة الناس في منزله، حيث يترك هذا الأمر لأبنائه، أذكر في تلك الجلسة سألت ذلك الشيخ عن تربية الأبناء، فقال إن أفضل ما يربى عليه الأبناء الفطرة الطيّبة والسمعة الحميدة وبرّ الوالدين، ففي هذا الزمن كثر العقوق، وانتشر الفساد، وأصبحت المحرّمات قريبة مِنا، وأن النجاح الحقيقي في تربية الأبناء في هذا الوقت أن يجدوا أي وظيفة كريمة تحفظ لهم كرامتهم، وزواج مبارك ناجح، ينتج عنه بيتاً يضم أسرة سعيدة، من دون أن يُمارس على الأبناء الضغوطات التي لا يطيقونها في تحصيلهم الدراسي، كي ينالوا الشهادات العُليا والوظائف المرموقة، لأن البشر قدرات، والمكسب الحقيقي هو ستر الله تعالى والعِرض الكريم والاستغناء عن الناس. في الحقيقة تبصّرت فوجدتُ أن سِرّ السعادة يكمن في تقوى الله تعالى، وألّا يكلّف المرء نفسه ما لا تطيقه من أمور الدنيا، وأن يضع دائماً في حقيبة مشوار حياته ثلاثة أمور: الإيمان والحُب والأمل.
مقالات
أبعاد السطور
حقيبة مشوار العمر
08:48 ص