أثارت التحقيقات المفتوحة مع بعض الفاشينستات أخيراً على خلفية اتهامات بغسل أموال، نقاشاً واسعاً حول الفوضى الرقابية التي ساعدت في إنعاش هذا الفضاء، إلى الحدود التي باتت معها مواقع «السوشيال ميديا» في الكويت مرتعاً للمخالفات الصريحة، على قاعدة «من أمن العقوبة أساء الأدب». وبعيداًَ عن استخدام البعض هذه الحسابات لتغطية عملياتهم المشبوهة، هناك إشكالية ربما لا تقل خطورة عن غسل الأموال، وهي أن مواقع التواصل الاجتماعي محلياً، وعلى اختلافها، تعجّ بآلاف الحسابات الشخصية لمواطنين ومقيمين، تستخدم كمنصات لبيع سلع غير مرخصة أو الترويج لها، ما يطرح سؤالاً مشروعاً حول الجهة الرقابية التي قد يلجأ إليها المستهلك إذا تعرض للغش أو النصب أو حتى للمرض بسبب مثل هذه المنتجات، والأمثلة عديدة؟ من حيث المبدأ، لا توجد جهة معينة يمكن الرجوع إليها، فوقتها لن يكون أمام المتضرر إلا اللجوء إلى القضاء والدخول في دوامة تبدأ ولا تنتهي عادة، ما يحفّز أصحاب المنصات المشبوهة للاستمرار في تجاوزاتهم. ويمكن القول إن هذه الحسابات خصوصاً على برامج «إنستغرام» و«سناب شات» و«تويتر»، غدت سوقاً موازية كبيرة ومتكاملة، غير مرخصة، تتنوع منتجاتها وخدماتها منافسة للعديد من خدمات الشركات المرخصة في مختلف القطاعات الاقتصادية، دون رقابة توقف الكثير من عمليات الغش والخداع التي يتعرض لها مشترو السلع ومقتنو الخدمات التي تقدّمها تلك الحسابات، رغم تنوع الخسائر المترتبة على تلك العمليات، مالياً وصحياً واجتماعياً.

مستخدمو الإنترنتووفقاً لإحصائية سابقة كشفها النادي العالمي للإعلام الإلكتروني في الكويت، فإن عدد مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في البلاد وصل إلى 3.9 مليون مستخدم، ما يشكل 92 في المئة من إجمالي عدد السكان، و98 في المئة من مستخدمي الإنترنت في الكويت. هذا الرقم الكبير يثير نهم الكثيرين للاستفادة منه عبر دخولهم «التجارة الإلكترونية» دون ترخيص، إذ استثمر العديد من أصحاب الحسابات الشخصية مواقع التواصل لبيع منتجات مختلفة والترويج لخدمات متعددة، فمن المسؤول عن مراقبة هذه الحسابات ومعاقبة أصحابها إذا احتاج الأمر؟من حيث المبدأ، يبدو جلياً أن هناك ثغرة رقابية وتشريعية واضحة تستغلها بعض الحسابات في تنفيذ مخالفاتها، ففي الكويت لا يحتاج صاحب الحساب إلى الحصول على ترخيص من أي جهة رقابية للترويج عن منتجاته أو منتجات أي معلن يعتمد عليه في ذلك ما دام سيدفع له، بذريعة أن هذه الحسابات شخصية، ولا يوجد نص قانوني ينظم العمل عبر حساب إلكتروني.

الجهات الرقابيةورغم أن هذه الممارسة المنفلتة قانونياً تعيق عمل الرقابة والإشراف على الأنشطة التجارية، ولا تحمي الزبون من التعرض للتضليل والاستغلال، إلا أن هذه المسؤولية لا تزال تتقاذفها الجهات الرقابية، فمن المسؤول عنها؟ على وقع أن «من لا يملك إصدار الترخيص لا يملك إصدار العقاب»، وأن «النشاط غير المرخص من قبلنا لا نستطيع إغلاقه»، تبرّر الجهات الرقابية المختلفة، سواءً وزارة التجارة والصناعة أو الصحة أو البلدية، أو الداخلية، وحتى وزارة الإعلام لناحية الحسابات التي يستخدمها مشاهير في «السوشيال ميديا» للترويج لسلع وخدمات متنوعة، عدم تدخلها لضبط التجارة الإلكترونية عبر الحسابات الشخصية في «السوشيال ميديا»، ما يوفّر ثغرة قانونية لأصحاب تلك الحسابات للمضي قدماً في تجارتهم غير المرخصة، بلا حسيب ولا رقيب، ليكون الأمر موكلاً إلى ضمير صاحب السلعة والمروّج لها فقط. فوزارة التجارة والصناعة ترى أنها لم تُصدر لهذه الحسابات أي تراخيص حتى تراقب عليها وتعاقبها، بخلاف الرخص التجارية التي تستطيع من خلال أدواتها معاقبتها إذا خالفت النشاط.علاوة على ذلك، يلفت مسؤولو «التجارة» إلى أنهم لا يستطيعون الدخول إلى بيوت أصحاب الحسابات المخالفة، كونهم ليسوا الجهة المعنية، كما أن هذا الإجراء يحتاج إلى إذن من النيابة. وفي المقابل، تدفع الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات إلى أنها ليست الجهة المسؤولة عن معاقبة الحسابات التي تروّج للسلع، باعتبار أنها تقع ضمن مواقع تواصل عالمية، لا يمكن التحكم فيها محلياً إلا بعد مخاطبة تلك المواقع، وإثبات خطورة هذه الحسابات، ومن هنا تستغل الحسابات الشخصية في «السوشيال ميديا» ثغرة (طاسة الرقابة الضايعة).وفي حين تؤكد مصادر أن الأمر يحتاج إلى تشريع سريع يمنح صلاحيات واضحة لجهة رقابية محددة، لتحمل تنظيم سوق التجارة عبر «السوشيال ميديا» على عاتقها، ومنح تراخيص مشروطة لممارسة التجارة الإلكترونية، منعاً للفوضى الحاصلة حالياً، فإنها ترى إمكانية أن تلعب «هيئة الاتصالات» دوراً رئيسياً في مكافحة تلك التجارة غير المرخصة. وتقول المصادر ذاتها «إذا كانت برامج التواصل الإجتماعي عبارة عن مواقع عالمية لا يمكن حجبها كلياً، فإن للهيئة، أن تلجأ إلى إيقاف خطوط الهواتف النقالة المستخدمة من قبل أصحاب الحسابات الشخصية في أغراض تجارية، ومستقبلاً إذا أراد صاحب الحساب أن يحصل على خط تجاري فعليه أن يوقّع بالالتزام بالضمانات التي تحمي السوق من فوضى الحسابات الإلكترونية».

«الداخلية» الأكثر قدرة على التنظيف  

تظل وزارة الداخلية من خلال إدارة الجرائم الإلكترونية الجهة الأكثر قدرة على مواجهة فوضى الحسابات، وتنظيفها، خصوصاً في ظل غياب تشريع محدد، لكن ذلك يبقى دون القدرة المطلوبة لتنظيف هذا الفضاء، وأسباب ذلك متعددة. فالمباحث الإلكترونية قد تكون منشغلة أكثر برصد التجاوزات القانونية من المغرّدين وناشري المعلومات المغلوطة، وهي تحركات لا يمكن التقليل منها، لكن الحسابات الشخصية التي تروّج لسلع تجارية، وبيع مأكولات شعبية ومنتجات غذائية، بدون ما يؤكد التزامها بالاشتراطات الصحية، مبعث خطر مجتمعي يستحق أيضاً التحقيق فيها.وما يعطي التحرك الأمني المستهدف أهمية إضافية أن هذه الحسابات لا تقدم أي ضمانات لصلاحية منتجاتها الغذائية، علاوة على أن بعضها يروّج لمستحضرات أدوية وأدوات تجميل، قد تتسبب في مشاكل صحية لا حصر لها في ظل غياب الرقابة عليها، وتسوّق ثالثة للكماليات والإكسسوارات، ورابعة للأجهزة الإلكترونية والكهربائية، وخامسة للسلع الثمينة بمختلف أنواعها، عبر مزادات تنظمها، دون أي ضمان لجودة السلعة وعدم الغش والتزييف في سعر المنتج وبلد منشئه ومواصفاته.