لم يكن طريق المرأة الكويتية نحو إثبات حضورها ونيل حقوقها الدستورية، معبّداً وميسّراً، بل مرّ بمراحل ومطبات وعوائق، منذ أن بدأت كمطوّعة تعلم الجيل، لم تثنها عن عزمها في إثبات وجودها حتى اكتملت أركان التمكين أخيراً بوصولها إلى منصة القضاء، وما بين المطوعة والقاضية، مرت بمراحل كانت كل خطوة فيه مخاضاً للوصول.في العام 1916 حظيت المرأة الكويتية بحق التعليم والقراءة على يد المطوعة بعد أن كانت في السابق لا تحظى بأي اهتمام أو رعاية، وكانت تعيش حالة من الأمية بسبب إهمال تعليمها، فتغيّرت الأوضاع بعد ذلك، لتبدأ رحلة كفاح ونضال المرأة في سبيل الحصول على حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية... فتسلمت مناصب قيادية في إدارة المؤسسات الحكومية، مديرة فوكيلة وزارة، ولما نالت حقوقها السياسية أصبحت وزيرة ونائباً في مجلس الأمة، وعُينت سفيرة، حتى جاء العام 2020 متوجاً المرأة الكويتية بالدخول إلى السلك القضائي لتصبح 8 نساء أولى قاضيات في تاريخ الكويت.ولقي الحدث ترحيباً نسائياً كبيراً، حيث هنأت وزيرة الشؤون الاجتماعية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية مريم العقيل، الكويتيات اللواتي اعتمدت ترقيتهن من وكيلات نيابة إلى قاضيات للمرة الأولى في الكويت، معربةً عن سعادتها بتولي المرأة الكويتية منصب القضاء ليضاف إلى المناصب القيادية التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية. وأكدت العقيل أن المرأة الكويتية شريك أساسي في التنمية ومسيرة التقدم في مجتمعها ووطنها، حيث إنها شغلت مختلف الوظائف والمهن وتبوأت مراكز عديدة في الدولة وأظهرت تميزاً وإبداعاً ونجاحات عديدة. وأشارت إلى أن الكويت قامت من خلال مشروع تمكين المرأة بالإعلان عن التزامها الكامل في دعم وصول المرأة إلى مناصب قيادية في المجالات السياسية والاقتصادية، فضلاً عن تنفيذ مشروع دعم دولة الكويت في تنفيذ الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، في شأن المساواة بين الجنسين والذي تقوده الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، بالتعاون مع مركز دراسات وأبحاث المرأة في جامعة الكويت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.بدورها، باركت وزيرة الأشغال العامة وزيرة الدولة لشؤون الإسكان الدكتورة رنا الفارس، حصول المرأة الكويتية على منصب قاضية، معتبرةً الخطوة إيجابية، لأن المرأة الكويتية قامت بأدور كبيرة في تنمية وبناء الوطن في جميع المجالات، وحان الوقت لتخدم وطنها في السلك القضائي. وأفادت في تصريح لـ«الراي» أن قرار تولي المرأة الكويتية منصب القضاء استحقاق وطني لدور المرأة في المناصب القيادية التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية، حيث أثبتت المرأة الكويتية جدارتها بكل ثقة واقتدار في جميع المناصب التي تولتها فقد نجحت كوزيرة وسفيرة ووكيلة ومحامية وطبيبة ومعلمة وفي العديد من الوظائف الأخرى بفضل ثقافتها وقدراتها العلمية والقيادية، وانخراطها في ميادين العمل بما فيها الأعمال التطوعية والوطنية فكانت معه يداً بيد وأثبتت في كل ذلك نجاحها سياسياً وأكاديمياً وعملياً.من جهتها، قالت النائبة صفاء الهاشم في تصريح لـ«الراي»: «أنا تشرفت في العام 2012 عندما كنت نائبة في البرلمان، وقفت في وجه وزير العدل شريدة المعوشرجي آنذاك الذي رفض التوقيع على قرار تعيين النساء بمركز وكلاء نيابة، رغم إقراره كقانون في مجلس الأمة، فعملت المستحيل وناضلت حتى تمت الموافقة بدخول كوكبة إلى السلك وكيلات نيابة حتى وصلن إلى السلك القضائي. وسنواصل الجهد والعمل حتى تنال المرأة كامل حقوقها، ونحن مستمرون لإكمال وإنجاز ما بدأناه لتطبيق هذه القوانين الخاصة بالمرأة وسنعمل جاهدين لكي يتم إنصاف المرأة».من جانبها، باركت أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، أول وزيرة في تاريخ الكويت الدكتورة معصومة المبارك للسيدات اللواتي أصبحن أولى قاضيات في السلك القضائي الكويتي، مشيرة إلى أن عمل المرأة قاضية مطلب قديم بالتزامن مع مطلب الحقوق السياسية. وقالت المبارك في تصريح لـ«الراي»: «كنا نطالب بحصول المرأة على حقها في المقعد القضائي، أما وقد تحقق ذلك فنقول الحمد لله زالت عقبة من عقبات تولي المرأة لحقوقها، متمنيةً للقاضيات الجديدات وجميع القضاة التوفيق في أعمالهم».وأوضحت أن القضاء أمانة ومهمة ليست بالسهلة، مشيدة بحصولهن على هذه المكانة بكفاءة وجدارة، لافتةً إلى أن المرأة الكويتية مثل الرجل، ونساء الكويت متفوقات في الدراسة والعطاء، وأشارت إلى أن القادم أفضل للكويت آملةً أن تكتفي الكويت بمواطنيها رجالاً ونساءً بالسلك القضائي ونطوي الاستعانة بالخبرات الخارجية.بدورها، أكدت وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي السابقة نورية الصبيح أن المرأة الكويتية تطورت منذ أن بدأ تعليمها في الخمسينيات.وأضافت في تصريح لـ«الراي»: وضع طبيعي أن تحصل المرأة الكويتية على جميع المناصب في زمن الدستور والقانون والانتخابات ومن حقها أن تكون وزيرة وقاضية، فالقاضي العادل هو من يحكم بمواد القانون ولا ينجذب لا للعاطفة ولا ما يكتب في الصحافة وله وقائع ودلائل يحكم من خلالها سواء رجل أو امرأة، وبناء على ذلك فالاثنان سيحكمان بالعدل.وأشارت إلى أن تولية المرأة القضاء تتويج لدورها، ويدل على قوة رؤية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد بأهمية دورها في الكويت، مشيدة بتأييد الحكومة وتنفيذها لهذه الخطوة التي طال انتظارها.أما رئيسة الجمعية النسائية لولوة الملا، فقد أعربت عن فرحتها بتولي وصعود المرأة الكويتية منصة القضاء معتبرةً أن توليتها قاضية خطوة تاريخية طال انتظارها.وأشادت في تصريح لـ«الراي» بهذا القرار معتبرةً أنه خطوة في الاتجاه الصحيح وتصب في مصلحة التقدم وتساهم في دفع التطور إلى الأمام، مضيفة: «كلنا ثقة بقدرة المرأة الكويتية على إثبات جدارتها وكفاءتها.. كما فعلت في الكثير من المجالات التعليمية والسياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات الكثيرة التي لعبت فيها المرأة الكويتية دوراً في بناء الوطن». بدورها، وصفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السابقة الدكتورة غدير أسيري القرار بأنه خطوة إيجابية وكنا نتوقعها في العام 2020، مشيرة إلى أن قرار السلطات العليا أنصف المرأة ويعزز مساواتها مع الرجل، ومازال هناك العديد من القوانين والممارسات التي تحتاج إلى تطوير وتعديل. وأوضحت في تصريح لـ«الراي» أن النساء اللاتي سيؤدين عملهن في السلك القضائي سيكن تحت المجهر وعليهن أن يثبتن جدارتهن كما هو المعهود عن المرأة الكويتية، مبينة أن القرار ينسجم مع القانون الدولي و المدني، كما يتفق مع المعاهدات الدولية في العالم.أما وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي السابقة الدكتورة موضي الحمود فأوضحت أن القرار خطوة نوعية في تاريخ القضاء، وتاريخ المرأة منذ 3 قرون، مشيرة إلى أن القرار يثبت أن ماحققته المرأة في السابق من خلال وجودها في المحافل السياسية والإدارية تتويج لمسيرة المرأة الطويلة في خدمة وطنها قبل الخمسينات في حقبة المطوعة مروراً في بداية التعليم النظامي والمعترك السياسي... وتابعت في تصريح لـ«الراي»: الحمدلله رأينا نتائج هذا النضال لتأخذ المرأة مكانتها الحقيقية فهي خطوة ممتازة نشكر القيادة السياسية على منح المرأة حقوقها في مايو 2005، وهو اليوم الذي شهد صدور مرسوم خاص بمنح النساء حقوقهن السياسية، ليصبح بإمكانهن التصويت في الانتخابات وخوض منافساتها جنباً إلى جنب مع الرجال وجاء بعد ذلك التطور المهم في تاريخ الكويت لتصبح المرأة الكويتية قاضية ونشكر القيادة السياسية التي سارعت في هذه الإنجازات.من جانبها، رحبت الوزيرة والنائبة السابقة المحامية ذكرى الرشيدي بالقرار، معربة عن سعادتها برؤية منصات القضاء الكويتي وقد ازدانت بقاضيات كويتيات أسوة بكل الدول المتحضرة وكاستحقاق دستوري أصيل للمرأة.وقالت في تصريح لـ«الراي»: لا شك أنها خطوة على الطريق الصحيح الذي يجب المضي فيه لنجد عدداً من القاضيات الكويتيات يزدان بهن جبين الوطن، ولتحققن حلماً تأخر كثيراً، ولا بد أن تكون سعادتي كبيرة بتقلد المرأة في بلدي منصب القضاء بعد مسيرة طويلة من العمل والجهد لنيل المرأة كافة حقوقها ومن بينها ولاية القضاء.واستطردت: نحن نساء الكويت ندين بالفضل إلى العهد الحالي تحت راية حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد والذي دعم المرأة لتنال حقوقها، إيماناً من سموه بدور المرأة في المجتمع وعلى كل المستويات.وأضافت ان هذا الحق له خلفية تاريخية، وان هذا الاستحقاق جاء متأخراً، فالمرأة الكويتية جديرة به منذ البداية والكويت درة الخليج التي تميزت طوال تاريخها الحديث دون غيرها من الأشقاء بمسيرة ديموقراطية وثقافية شهد بها الجميع حيث شرعت أبوابها لرواد الثقافة، وتلاقت العقول على هذه الأرض الطيبة لتصنع لنا وطن الاستنارة والعروبة، الأمر الذي لم يكن ليستقيم معه غياب دور فاعل للمرأة الكويتية في الحياة العامة وبناء الدولة ومسيرتها الديموقراطية.وزادت: لذا داومت المرأة الكويتية على طلب حقوقها الدستورية ليبلغ ذلك صانع القرار، لنرى اعتلاء المرأة مناصب في بعض الأماكن التي كانت حكراً على الرجل في بلدي، ثم تولدت إرادة سياسية جديدة تفتح الباب رويداً رويداً للمرأة الكويتية حتى حققنا حلم وصولها إلى قاعة عبد الله السالم نائباً بالبرلمان، وسبق ذلك تقلدها مناصب رفيعة كوزيرة بالحكومة لتتوج هذه المسيرة بتعيين المرأة قاضية.وأشارت إلى أن هذا الاستحقاق قد تأخر كثيراً في ظل ما تتمتع به المرأة الكويتية من كفاءة وتميز لا يقل عن الرجل، وأنه لمن دواعي فخري واعتزازي أني كنت في العمل العام مطالبة بحقوق المرأة الدستورية وإعطائها مكانتها، حيث أوليت جل اهتمامي لقضايا المرأة سواء من خلال الفعاليات التي كنت أحرص على المشاركة فيها أو من خلال عملي كمحامية، استشعاراً مني أن المرأة الكويتية أكثر من نصف المجتمع، وأنه برغم دورها في حياة الأسرة والمجتمع لم تنل حقوقها التي كفلها الدستور الكويتي لأسباب ضبابية وغياب الإرادة السياسية والوعي الكافي.

محطات وإضاءات

انطلاق من الرؤية السامية

قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية مريم العقيل ان مشروع تولية المرأة قاضية يأتي انطلاقاً من رؤية صاحب السمو، واستجابة لتحقيق رؤية 2035، حيث يقدم المشروع منهاج عمل مبتكراً لتعزيز الكوادر المحلية والمؤسسات لتنفيذ أجندة 2030، لأهداف التنمية المستدامة وبخاصة الهدف الخامس المتعلق بالمساواة بين الجنسين وتطبيق مؤشرات هذا الهدف بما يتناسب مع السياق الوطني.ولفتت إلى أن تحديد هذا الهدف جاء بعد المشاورات للوصول الى تحقيق الهدف الخامس من أهداف خطة التنمية المستدامة بحلول 2030.

حلم أصبح حقيقة

أكدت الوزيرة والنائب السابق ذكرى الرشيدي أنها خلال لقاءاتها مع نخبة موقرة من رائدات العمل لمصلحة المرأة ولنصرة حقوقها، كان يعز عليها خلال حضورها عدداً من المؤتمرات عن المرأة بالخارج، ألا تجد إجابة عن حجب حقوق المرأة الكويتية للدخول إلى البرلمان واعتلاء منصات القضاء، بالرغم مما تتمتع به مسيرة دولة الكويت الديموقراطية والعامة من ازدهار.وأضافت «ولاية المرأة للقضاء كانت حلماً تم تحقيقه، وقد بادرت وكان لي شرف السبق من سنوات من خلال مكتبي كمحامية، للوقوف إلى جانب إحدى بنات الكويت الفائقات من خريجات كلية الحقوق اللاتي لم تقبل النيابة أوراقها، وأقمت الدعوى الأولى على مستوى الكويت في هذا الخصوص دفاعاً عن حق المرأة في تولي هذا المنصب ولزوم فتح باب القبول لتنخرط في سلك النيابة العامة ومن ثم تترقى إلى قاضٍ بالمحكمة، وكان ذلك نقطة فارقة حيث لم تقف المرأة عند المطالبة بحقها، وإنما تحركت ايجابياً باختصام الدولة لفتح باب القبول لخريجات القانون الى جانب الرجل».

القاضي الكويتي أعلم من القضاة الوافدين

قالت الرشيدي إنه عندما يتم تعيين أكثر من قاضية ليجلسن على منصة القضاء فإن سعادتي لا توصف، مشيرة إلى أنها أسهمت ولو بتحريك المياه الراكدة في النهر ليلفت ذلك نظر صانع القرار بأنه قد آن الأوان لنيل هذا الاستحقاق الذي تأخر كثيراً. وأملت اكتفاء الكويت بأبنائها في القضاء، مبينة أن العمل القضائي وإن كان عملاً قانونياً محضاً لكنه يحتاج إلى قاض من نبت هذه الأرض، فلكل بلد واقعه وثقافته واعرافه، وكثير من المواد بالقانون تتم إحالتها إلى العرف والعرف هنا غير مكتوب والقاضي الكويتي أعلم بتحصيله عن القضاة الوافدين. وأعربت عن تهنئتها لصانع القرار وللقاضيات، راجية لهن التوفيق والسداد في مسيرتهن كرائدات على هذا الدرب.

الكويت في مصاف الدول المتقدمة

أكدت لولوة الملا أن القرار كان فرحة واستبشار خير لأنه يضع المرأة في موقعها الطبيعي في المجتمع، مؤكدة أن هذه المطالب كانت من سنوات وضمن أجندة النضال السياسي الكبير لنيل المرأة كامل حقوقها وكان آخرها في المؤتمر الحقوقي في العام 2014 والذي من خلاله رفعنا توصية من 22 قاضية من مختلف الدول العربية إلى الجهات المختصة لاقرار حقوق المرأة في حقها في تولي منصب القضاء، بعد تعيينهن وكيلات نيابة وإثبات كفاءاتهن بالشكل المطلوب.وأوضحت الملا أن وصول وكيلات النيابة الكويتيات للقضاء شكل فرحة للكويت، مشيرة إلى أن هذا القرار جعل الكويت في مصاف الدول المتقدمة، وهو قرار تاريخي أسعدنا، آملة ان يزيد العدد عن 8 قاضيات.

«برافو»... للدولة المدنية

رأت النائب صفاء الهاشم أن «وجود 8 قاضيات في السلك القضائي فخر للكويت، وأقول كلمة (برافو) للدولة المدنية بالقاضيات، فهو نصر كبير في وجه من يريدون أن يتصرفوا على راحتهم، ومتى ما أرادوا تطبيق القانون يفعلوا، وإذا ما يبون مايطبقون (بكيفهم) ونقول لهم لا». وتابعت: «كل التوفيق للنساء القاضيات، وهذه ثقة كبيرة في أدائهن، وتعيينهن خطوة في الاتجاه الصحيح عززت مكانة المرأة في جميع الأصعدة وكل المجالات».