في اطلالة له عبر «برنامج الليلة»، الذي يقدمه الكوميدي الشهير ستيفن كولبير، قال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون إنه لا يعتقد أن الرئيس دونالد ترامب مؤهل للقيام بدور رئيس للبلاد. وسأله كولبير: «ألم ترى ضحالة ترامب وتواضع قدراته قبل ان تنتخبه قبل أربعة أعوام»؟ فأجاب بولتون: «كنت أعتقد أنه ربما يمكن تغييره بعد دخوله البيت الأبيض، ولكني صرت متأكداً أن ذلك مستحيل، لذا، عندما يأتي يوم الانتخابات (في 3 نوفمبر)، لن أنتخب أي من المرشحين ترامب أو (منافسه الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو) بايدن».ومثل بولتون، اكتشف جمهوريون كثر أن ترامب حالة مستعصية، وأنه لن يتعلم أو يكتسب مهارات رئاسية أثناء ولايته، وأنه لن يفسح المجال للمحترفين، أمثال بولتون، في القيام بالدور الفعلي، فيما يكتفي هو بدور الواجهة، على غرار ما كان يفعل الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، الذي كان ممثلاً قبل أن يصبح سياسياً، وكان معروفاً عنه انعدام حنكته السياسية، ولكنه لم يمانع في تسليم الدفة خلف الكواليس الى مساعديه المتخصصيين وأصحاب الحنكة، الذين كان يتقدمهم نائبه، الرئيس في ما بعد، جورج بوش الأب. بولتون اكتشف فداحة مشكلة وجود ترامب في الرئاسة من داخل البيت الأبيض، لكن عدداً كبيراً من الأميركيين اكتشفوا، وما زالوا، انعدام كفاءة ترامب من خارج البيت الأبيض، خصوصاً مع انحسار وباء فيروس كورونا المستجد في الولايات الزرقاء، ذات الغالبية الديموقراطية، وبدء انتشاره على نطاق واسع جداً في الولايات الحمراء، ذات الغالبية الجمهورية. أما سبب انخفاض الوباء بين الديموقراطيين وتفشيه بين الجمهوريين، فمرده الى اصرار ترامب على التعامل مع «كورونا» على أنه مؤامرة ينسجها الديموقراطيون، بالاشتراك مع وسائل «الاعلام الكاذب»، لتقويض ولايته الأولى، وحرمانه ولاية ثانية. هكذا، حوّل ترامب موضوعاً علمياً بحتاً الى مادة تراشق سياسي، فرفض ارتداء كمامة، وسخر ممن يرتدونها، وأصرّ على الادلاء بخطاب انتخابي في قاعة رياضية مقفلة أمام آلاف المؤيدين، حيث كان هو وعدد كبير من الحضور من دون كمامات. كما أمضى الأشهر الماضية وهو يحرّض ضد الاقفال والتباعد الاجتماعي، ويدعو الناس الى العودة الى حياتهم الطبيعية لمنع تباطؤ الاقتصاد.بعد كل التحريض، انحسر الوباء في الولايات الديموقراطية، مثل نيويورك ونيوجرسي وماساشوستس وميريلاند، وراح ينتشر بسرعة فائقة ومثيرة للقلق في الولايات الجمهورية، مثل اريزونا وساوث كارولينا وآركنساس ونورث كارولينا وتكساس. هكذا، أظهرت استطلاعات الرأي أن 38 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون أن الرئيس ادار أزمة «كورونا» بشكل جيد، مقابل غالبية 58 في المئة ممن يعتقدون أن أداءه كان سيئاً.ومثل بولتون، تخلى جمهوريون آخرون عن ترامب، لكن على عكس بولتون، لن يبقى هؤلاء في بيوتهم يوم الانتخابات، بل هم سيقترعون لمصلحة بايدن، وهم لهذا السبب أقاموا مجموعة باسم «جمهوريون من أجل بايدن». من هؤلاء الجمهوريون، وزيرا الخارجية السابقان كولين باول وريكس تيلرسون، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وزوج مستشارة ترامب كيلي آن كونوواي، والاعلامي المعروف وعراب المجموعة التي حملت اسم «المحافظين الجدد» بيل كريستول، والاستراتيجيان الجمهوريان ريك ويلسون ومايكل ستيل، رئيس اللجنة المركزية السابق للحزب الجمهوري، وستيف شميت، مدير حملة المرشح الجمهوري السابق للرئاسة جون ماكين.وفي اطلالة تلفزيونية، لخص شميت امتعاض هؤلاء الجمهوريين من ترامب، وقال: «لقد كان ترامب أسوأ رئيس على الإطلاق في تاريخ البلاد، وأنا لا أقول ذلك بشكل عشوائي، فترامب أخذ أميركا في ثلاث سنوات قصيرة إلى مكان ضعف مقارنة بالمكان الذي ترك فيه (الرئيس السابق) باراك أوباما منصبه». وتابع: «كثيرون منا كانوا متشككين بشدة وقلقين للغاية مما ستكون عليه رئاسة ترامب، لكننا لم نتوقع هذا القدر، ونحن نعيش الآن لحظة إذلال وطني لا مثيل لها». وأضاف شميت: «عندما تستمع إلى الرئيس، ترى أن أقواله هي تأملات معتوه، أحمق، ولا أستخدم هذه الكلمات للشتيمة، بل أستخدمها لأنها الكلمات الدقيقة في اللغة الإنكليزية لوصف سلوكه... أما في أفعاله، فلم نر أبدا مستوى مشابه من انعدم الكفاءة، وهو مستوى مذهل، وعلى أساس يومي، لم يسبق أن ارتكبه أي شخص في تاريخ البلاد ممن تولوا مسؤوليات بهذا الحجم».وختم شميت أنه «لأمر مدهش أن هذا الرجل هو رئيس الولايات المتحدة، فهو رجل محتال، تورط في العديد من حالات الإفلاس والأعمال الفاشلة... إنه رئيس الولايات المتحدة الآن الذي قال إنه سيجعل البلاد عظيمة مرة أخرى، ولكنه جلب الموت والمعاناة والانهيار الاقتصادي على نطاق أسطوري حقاً».جمهوريون آخرون بدأوا يخالفون ترامب، تصدرهم السناتور المخضرم ليندسي غراهام، الذي كان معاديا للرئيس في أيامه الأولى، ثم تقرب منه وصار صديقه لخوفه من أن يؤدي عداؤه الى خسارته مقعده. لكن غراهام يبدو أنه يقرأ المزاج الشعبي الجمهوري بدقة، وهو ما دفع السناتور الى مخالفة ترامب، الذي كان دعا مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون الى التحقيق في «خيانة أوباما» بفتح ادارة الرئيس السابق تحقيقات استخباراتية طالت حملة ترامب. لكن غراهام، ومعه شيوخ جمهوريين آخرين، رفضوا تصريحات ترامب، ورفضوا حتى اجراء تحقيقات.وفي وقت خسر ترامب معركته القضائية في محاولة منع نشر كتاب بولتون، انهمك في معركة ثانية، هذه المرة لمنع نشر كتاب بقلم ابنة اخته، تتهمه فيها بأنه «رجل خطير»، وتنشر عنه خفايا محرجة من داخل عائلة ترامب.وسط توالي انفضاض الجمهوريين عنه، من عائلته ومن أركان إدارته ومن حزبه، لم يكن مستغرباً أن تُظهر ثلاثة استطلاعات رأي مختلفة أن ترامب يتأخر عن بايدن شعبياً بواقع 10 - 14 نقطة مئوية. وكان أقصى ما وصل اليه ترامب هو تأخره عن بايدن بأربع نقاط، قبل أشهر، لكن الفارق عاد الى ما كان عليه، وهو ما حمل الخبراء الأميركيين على القول إنه لو جرت الانتخابات غداً، لما فاز بايدن بالرئاسة فحسب، ولكن لسحق ترامب بشكل غير مسبوق.لكن ما يشجع ترامب أن الانتخابات ستجرى بعد أكثر من أربعة أشهر. وفي انتخابات 2016، قادت الديموقراطية هيلاري كلينتون استطلاعات الرأي طوال الحملة لكنها خسرت الانتخابات نهاية المطاف.وأعلن الحزب الديموقراطي، ليل الأربعاء، إنه سيعقد مؤتمراً افتراضياً بشكل أساسي في أغسطس المقبل لإعلان بايدن مرشحاً للحزب بانتخابات الرئاسة. وسيلقي المرشح الرئاسي شخصياً خطاب قبوله ترشيح الحزب في ميلووكي (ولاية ويسكونسن)، في حين سيبقى مندوبو الحزب في البيوت.في المقابل، ينوي الجمهوريون عقد مؤتمر فعلي في جاكسون فيل (ولاية فلوريدا) في أغسطس أيضاً، يُخصص لإعلان ترامب قبول ترشيح الحزب يوم 27 من الشهر نفسه، أمام الآلاف في قاعة مغلقة.