انتهى لبنان الذي كان... خلاصةٌ لم تَعُدْ سراً في بيروت، حيث ترتسم تباعاً ملامح «الانقلاب الكامل» على نمط عيْش اللبنانيين، ووجْه اقتصادهم وربما الوُجهة السياسية لبلدهم الذي يواجه «أزمةً أخطبوطية» لا أحد يملك تحديد كيف ومتى وبأي أثمان سينجو منها.وبدا لبنان أمس مشدوداً إلى مساريْن متوازييْن يحكمان حركةَ تَدَحْرُجه في الهاوية، أوّلهما سيْلُ الفواجع التي تلوح في أفقِ واقعِه المالي - الاقتصادي والتي تزيد من «أثقالها» مناخاتُ الاستقطاب الداخلي السياسي والطائفي، ناهيك عن التقابُل الاستراتيجي المستعاد تحت عنوان «شرقاً أو غرباً». والثاني السباقُ المحموم بين الاستقرار والفوضى والذي يُخشى أن يتطّورَ ليصبح بين الحرب والسلم في ظلّ «الأحمر» الذي بات يضيء لوحة الصراع في المنطقة، من ساحته الأقرب سورية و«قيصرها» الأميركي الذي يرْفع التحدي بوجه المحورَ الإيراني وأذرعه، وليس انتهاءً بتدافُع واضعي «الإصبع على الزناد» فوق رقعة الشطرنج الليبية، وما بينهما من مخاوف لا تهدأ من تَحَرُّك الجبهة الاسرائيلية - اللبنانية بقرار كبير أو... خطأ كبير.وفي ظلّ هذا المسرح البالغ التعقيد، أبدت أوساطٌ مطلعة القلقَ حيال التجاذبات الكبيرة التي تحوط بـ «حوار القصر» غداً، بعدما ساهمتْ مقاطعتُه من رؤساء الحكومة السابقين (سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام) في تسديد «ضربة» سياسية - معنوية له سرعان ما فاقَمها تَوالي المُنْسَحبين عن الطاولة، إما بإعلانٍ مباشر كما فعل زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، أو عبر الدعوة لتأجيل الحوار، وفق ما طالب الرئيس السابق أمين الجميل.ورغم أن لكلٍّ مِن المتغيّبين عن الحوار الذي اختارَ الرئيسُ ميشال عون، المضيّ به «بمَن حَضَر» حساباتُه التي أملتْ عليه هذا الخيار، وإن مع تقاطُعِ خلفياتِ غالبية هؤلاء عند عدم وجود جدول أعمال محدَّد واعتبار أن حماية السلم الأهلي باتت تفترض مقارباتٍ جريئةً لكيفية معاودة ربْط لبنان بالشرعيتين العربية والدولية والنأي به عن صراعات المنطقة وإعلاء سلطة الدولة ودستور الطائف، فإن الأكيد، وفق الأوساط المطلعة، أن غياب الحضور الوازن للمكوّن السني كما المقاطعة المسيحية الواسعة (بحال رجحتْ كفّة عدم مشاركة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع)، تشكّل في ذاتها نكسةً لن يعوّضها إعلان الرئيس السابق ميشال سليمان حضوره ولا مشاركة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بحال لم يبدّل موقفه في ربع الساعة الأخير.وإذ اعتبرت الأوساط، أن مقاطعة أحزاب مسيحية من شأنها التخفيف من وطأة الانقسام الطائفي الذي كان سيظهّره غياب رؤساء الحكومة السابقين، رأتْ أن اعتبارات عدة تحكّمتْ بتَمَسُّك عون بعقد الحوار في موعده وبينها المناخُ الذي شاع بعد قرار مقاطعة الحريري وميقاتي والسنيورة وسلام حول «عيْبٍ» ميثاقي، والذي سيعني بحال التسليم به عبر تأجيل الحوار إقراراً من العهد بأن رئيس الحكومة حسان دياب لا يشكّل عنصر التوازن الميثاقي، ناهيك عن أن التراجع عن الدعوة كان سيُفسَّر على أن العهد معزولٌ رغم «الممرّ إلى القصر» الذي حاول رئيس البرلمان نبيه بري تشكيله من فوق الخلافات العميقة بين فريق عون وبين خصومه الكثيرين. وفيما رأتْ أن عون فضّل انعقاد الحوار ولو بدت صورته «هزيلة» على القيام بخطوةٍ تراجُعية قد تكون كلفتها وفق قراءة فريقه أكبر، لاحظتْ أن هذا الخيار تَرافق مع هجومُ على المقاطعين، وصولاً إلى إعلان مصادر قريبة من الرئاسة «ان لقاء الخميس قائم ومَن قرر المقاطعة يتحمل مسؤولية قراره»، معتبرة «أن اللقاء لا يحتمل التأجيل ولا المقاطعة كما لا يتطلب ميثاقية فهو ليس طاولة حوار وهدفه بالدرجة الأولى رأب الفتنة والبحث بموضوع أقلق اللبنانيين ويتعلق بالتطورات الأمنية في بيروت وطرابلس (قبل أكثر من أسبوعين) وردود الفعل التي صدرت عن المتظاهرين والتي لامستْ الخط الأحمر أي الفتنة».واعتبرت أن حوار بعبدا فتَح «باب ريح» سياسي جديداً يُخشى أن يساهم في تعميق المأزق اللبناني، ولا سيما في ظل التوترات على خلفية الواقع المالي - الاقتصادي وتفاقُم مآسي «الدولار العملاق» (6000 ليرة)، وسط تَعاظُم الخوف من اضطراباتٍ تطلّ برأسها على خلفية خياراتٍ تبحثها الحكومة - الماضية بالمفاوضات الشاقة مع صندوق النقد الدولي - تحت عنوان محاولة ضبْط تهريب مواد استراتيجية تُموّل ببقايا احتياطي مصرف لبنان والحدّ من الهدر وذلك عبر وقْف الدعم عن البنزين والمازوت والخبز واستبداله بقسائم مدعومة توزَّع على الأفران والمعامل وذوي الدخل المحدود، وهو الطرح الذي اقترحه وزير الاقتصاد راوول نعمة ورسم «حزب الله» سريعاً خطاً أحمر حوله، واصفاً إياه بأنه «هرطقة»، مع تحذير نقابات من «ثورة خبز» أو «ثورة فلاحين» بحال المضي فيه.قضائياً، ادّعت النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان على العلّامة السيد علي الأمين بجرائم «الاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين في البحرين، ومهاجمة المقاومة وشهدائها بشكل دائم، التحريض بين الطوائف وبث الدسائس والفتن، والمس بالقواعد الشرعية للمذهب الجعفري».وكان العلّامة أوضح أنه صودف وجود رجال دين يهود في مؤتمر للأديان، أتوا من الأراضي المحتلة من دون علمه، نافياً حينها حصول لقاء شخصي بينه وبين شخصية دينية يهودية.