... إلى «الحلّ الأمني» دُرْ. هكذا طفا السلوكُ الأمني على سطحِ المشهد اللبناني الذي يتخبّط في بحرٍ من الأزمات المتداخلة مع الواقع الإقليمي الهائج، حتى بدا وكأنّ دخان الخيارات «الزاجرة» بإزاء انهيار الليرة وجرّ الشارع إلى فخّ الشغب والتخريب والإشارات المثيرة للريبة لجهة محاولة ترهيب خصوم السلطة سيشكّل «غطاءً مثيراً» لنأي بيروت بنفسها عن «قانون قيصر» وموجباته التي تشي بإمكانِ جرّ البلاد إلى قلْب العاصفة التي تهبّ على الجبهة الأميركية - الإيرانية من البوابة السورية.وفيما كان الجميع في لبنان مشدوداً إلى العدّ التنازلي لدخول «قيصر» حيز التنفيذ غداً، وبدء تَلَمُّس مفاعيله على النظام السوري وجسّ نبْض مستوى التشدّد الأميركي في تطبيقه على المتعاونين معه، وتالياً إمكانات «تدوير الزوايا» في ما خص بنوده التي تعني «بلاد الأرز» وقد تضعها في مرمى عقوباته «القاتِلة»، شهدت بيروت اندفاعةً بارزة لـ«اليد الأمنية» التي لوّحت بها السلطة على 3 محاور: • الأول انطلاق مسار «القبض» على سعر صرف الدولار وخفْضه بـ«القوة» إلى 3200 ليرة (بعدما كان ناهز 6500 ليرة الأسبوع الماضي في السوق السوداء). • والثاني رسْم خطوط حمر للانتفاضة المتجددة من خلْف غبار الاضطرابات المفتعلة التي عمّت وسط بيروت وطرابلس منذ يوم الخميس، واعتبرها الائتلاف الحاكم من ضمن «محاولة انقلاب» ركبتْ «حصان الدولار الطائر» فيما تعاطت معها «الثورة - 2» وخصوم الحكومة على أنها مصيدة لوأد الغضب الشعبي المتصاعد وتحويل الشارع «صندوقة بريد» تحاكي الخارج والضغوط المتدحرجة على «المحور الإيراني». • أما المحور الثالث، فاستعان بذراع القضاء لمواكبة عملية «عسْكرة» حماية الليرة عبر طلب تعقب مَن «نال من متانة النقد الوطني عبر أخبار على مواقع التواصل حول فقدان الدولار من السوق وارتفاع سعره إلى 7000 ليرة (الخميس الماضي)»، وصولاً إلى تكليف قسم المباحث الجنائية المركزية «مباشرة التحقيقات، لمعرفة هوية الأشخاص الذين عمدوا الى نشر تدوينات وصور (على مواقع التواصل) تطول مقام رئاسة الجمهورية».وفي هذا السياق لم يكن عابراً انعقاد اجتماعيْن متلاحقيْن:• الأوّل مالي - أمني ترأسه رئيس الحكومة حسان دياب خصص لمتابعة الأوضاع الأمنية وضبط سعر صرف الدولار، وخلص إلى «إنشاء غرفة عمليات في المديرية العامة للأمن العام» لمواكبة تنفيذ الآلية التي أقرها مجلس الوزراء بشأن خفض سعر الدولار انطلاقاً من تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التزام ضخه في الأسواق مع الضوابط لمنع وصوله إلى المضاربين أو تهريبه إلى الخارج.وتخلل الاجتماع كلام لدياب أكد فيه أن «ما حصل منذ 10 أيام يتجاوز المنطق. اجتمعنا هنا واتخذنا تدابير وأخذنا التزامات، وفي يومين حصل تدفق دولارات إلى السوق بحدود 10 ملايين دولار، وفي اليوم الثالث اختفى كل شيء من السوق فجأة، وبعدها استمر فقدان الدولار بشكل شبه تام، وارتفع الطلب وكأن هناك مَن قرر العودة للمضاربة على السعر. نريد تحقيقا كاملاً أمنياً وقضائياً. وعندي معطيات معينة، أن ما حصل كان بفعل فاعل».كما أعلن تعليقاً «على أعمال التخريب التي حصلت في طرابلس وبيروت» أنها «بمثابة كارثة». وقال: «لن أقبل نهائياً بهذه الاستباحة للشوارع وأملاك الناس والدولة. الزعران شغلتهم التخريب ومكانهم السجن... ونقطة عا السطر».• والاجتماع الثاني للمجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي اعتبر أمام المجتمعين أن أحداث الشغب التي حصلت في عدد من المناطق، لا سيما بيروت وطرابلس «والتي أخذ بعضها طابعاً طائفياً، اضافة الى استهداف القوى العسكرية والأمنية بالاعتداء المباشر تفرض اتخاذ إجراءات متشددة لمنع تكرارها إضافة الى القيام بحملة توقيفات تشمل المخططين والمحرضين والمنفذين»، داعياً «إلى عمليات استباقية لتفادي تكرار ما حصل». أما رئيس الحكومة فرفع سقف مواقفه، لافتاً إلى «ان ما يحصل في البلد غير طبيعي. ومن الواضح أن هناك قراراً في مكان ما، (داخلي أو خارجي، أو ربما الاثنين معاً) للعبث بالسلم الأهلي، وتهديد الاستقرار الأمني»، مؤكداً «أن ما يحصل يحمل رسائل كثيرة وخطيرة، ولم يعد مقبولاً أن يبقى الفاعل مجهولاً، وألّا يكون هناك موقوفون من الممولين والمحرّضين والمنفّذين (...) ويجب توقيف الذين يحرضون والذين يدفعون لهم والذين يديرونهم، من الداخل والخارج».وقرّر «الأعلى للدفاع» تكثيف «التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية لتفادي أي أعمال تخريبية تحت حجة مطالب معيشية محقة»، قبل أن تصدر وزارة الداخلية قراراً بمنع سير الدراجات النارية في وسط بيروت بين الخامسة عصراً والسادسة صباحاً تفادياً لتكرار مشهد التخريب في قلب العاصمة، ويعلن دياب أنه «سيقام سياج معنوي وأمني حول الوسط التجاري (في بيروت)».ولم تتوانَ أوساطٌ سياسية مُعارِضة عن إبداء الخشية بإزاء مناقشات «الأعلى للدفاع» ومواقف كبار المسؤولين من وجود منحى لمعالجة جبل الأزمات بخلفية أمنية كان عبّر عنها رئيس الحكومة قبل أيام، حين وصف ما حصل الخميس والجمعة بأنه «محاولة انقلاب» حرّكها التلاعب بسعر الصرف وبالاحتجاجات، محذّرة من أن تكون السلطة تجنح نحو أداء أمني يشبه السلوك الذي اعتمدتْه أنظمةٌ في المنطقة في محاولةٍ لخنْق الثورات بوجهها، وما قد يرتّبه ذلك على المستوى الدولي في ظل المعاينة الخارجية اللصيقة لتطورات الواقع اللبناني ربْطاً بأزمته المالية - الاقتصادية التي يبقى الوصول لتفاهم مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إنقاذٍ ممرحلٍ «حبلَ النجاة» الأسرع لها، كما بمخاطر أي حسابات خاطئة في قراءة المرحلة إقليمياً وإشارات التشدُّد الأميركية (عبر «قيصر» وملحقاته) بإزاء «حزب الله» وإمساكه بمفاصل القرار اللبناني.وفيما كان هذا «المناخ» الأمني في التصدي للأزمات المتناسلة، محور تدقيق في خلفياته وتداعياته المحتملة، لم يقلّ دلالةً تسريب وثيقة أمنية تشير إلى معلومات عن «احتمال حصول اعتداء إرهابي على مطار رفيق الحريري الدولي»، لافتة إلى ان «الاعتداء قد يتمّ عبر تسلل أشخاص من جهة البحر للقيام بأعمال تفجير وتخريب في محيط وداخل وخارج حرم مطار بيروت، وذلك يوم الاثنين 15 يونيو الجاري (أمس)».وإذ برز تأكيد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بعد زيارته رئيس البرلمان نبيه بري، أمس، صحة هذه الوثيقة، معلناً «وردتْنا معلومات عن استهداف المطار أوصلناها إلى المعنيين»، تساءلت الأوساط المُعارِضة نفسها عن مغزى كشْف هذه المعلومة واستحضار خطر الإرهاب مجدداً في لحظة بالغة الدقة أمنياً وسياسياً وفيما البلاد تستعدّ لمعاودة فتْح المطار ولو بقدرة تشغيلية توازي 10 في المئة من حركة الملاحة في الأول من يوليو في محاولة لتنشيط السياحة والخروج من «الموت السريري» الاقتصادي.