| علي الرز |

حدثنا الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما عن مأساة غزة والاجرام الاسرائيلي الذي يرتكب يوميا في حق الفلسطينيين... قال: «هناك رئيس واحد يحكم». اضاف كبير مستشاريه ديفيد اكزلرود: «اوباما لن يعلق بشكل رسمي على التصعيد العسكري حتى ينصب رئيسا بشكل رسمي».
لا «يلعب» اوباما في موضوع اللياقات واحترام المرحلة الانتقالية وضرورة عدم حصول ازدواجية في التصريحات والمواقف بينه وبين الرئيس جورج بوش. فهذه اللياقات والاصول الدستورية اهم بكثير حتى من المطالبة بوقف العنف ومنح الاطفال النازفين المصابين فرصة للوصول الى المستشفيات.
يستيقظ صباحا ويتسلم التقارير من الاجهزة الداخلية والخارجية المختصة ويجمع مستشاريه ويسألهم: «ماذا يجري هناك»؟. يرتفع سور اللياقة فقط عند مأساة غزة كون الطرف المعني بها هو اسرائيل. اختفى السور وكان هناك رئيسان عندما حصلت الهجمات الارهابية في مومباي في 26 نوفمبر 2008 حيث اطلق تصريحاته المنددة بالهجمات والمتضامنة مع السلطات الهندية مبديا استعداده للدعم والمساعدة كون التصدي للهجمات «جزءا لا يتجزأ من الحرب على الارهاب».
ماذا يجري هناك؟ اخبروه عن الاتفاقات المبرمة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول المجاورة في الاميركتين فابدى آراء علنية في مسائل الهجرة بوجهيها الشرعي وغير الشرعي والتبادل التجاري والتنسيق الامني والمعاهدات البيئية... وكلها امور تهم المواطن الاميركي مباشرة اكثر مما تهمه قضية غزة. ومع ذلك كان هناك رئيسان ولم ينتظر اوباما حتى ينصب بشكل رسمي للتعليق.
ماذا يجري هناك؟ الاقتصاد وما ادراك ما الاقتصاد بالنسبة الى الاميركي الذي وجد نفسه فجأة في قلب الزلزال. يصعد الرئيس المنتخب منصة الخطابة في جامعة جورج مايسون في اليوم الذي تجاوز فيه عدد شهداء غزة الـ 700 وتساقطت القذائف الاسرائيلية على مقار الاغاثة التابعة للامم المتحدة. تتسابق محطات التلفزة الاميركية على وصف الخطاب بـ «الملهم» اذ طالب اوباما الحكومة الاميركية ان تستثمر في كل ما من شأنه العودة بارباح مالية وبشرية على البلاد من اجل تنشيط طويل المدى للاقتصاد. قال عبارات في الاقتصاد يصح تطبيقها على قضية فلسطين مثل: «ان واقع كون الازمة من صنعنا فلا يعني ذلك انها خارج قدرتنا على حلها»... يتحدث طبعا عن ضياع مصارف لا ضياع دولة وعن افلاس شركات لا تجويع مجتمع وعن ضرورة حصار الازمة المالية لا رفع حصار عن شعب وعن انهيار اسهم لا انهيار قيم.
يتابع الرئيس المنتخب عرض رؤيته للحل الاقتصادي من دون ان يأبه للياقات واصول اساسها وجود رئيس لم تنته ولايته بعد، وكأنه ايضا وايضا يتحدث عن مأساة فلسطين. يقول: «سنوات تمر دون احداث تذكر، لكن سنوات اخرى تأتي مرة في كل جيل وعلينا ان نكسر مع ممارسات الماضي المتعب واجتراح مسار جديد»... ماذا ستكسر لتكسر، وما المسار الجديد الذي سيبنى على مجزرة؟
ماذا يجري هناك؟ لم يتوقف اوباما كثيرا عند ضرورة عدم اطلاق مواقف قبل احتفال التنصيب بالنسبة الى ايران مثلا، فهو قال بعد انتخابه ان «تطوير ايران سلاحا نوويا امر غير مقبول وعلى المجتمع الدولي منعها من ذلك». تحدث عن علاقة ايران بحزب الله و«حماس» معتبرا «ان الدعم الذي تقدمه الى منظمات ارهابية يجب ان يتوقف». واضاف: «يجب عدم التفاوض مع جماعة حماس الا اذا تخلت عن الارهاب وشعار تدمير اسرائيل واعترفت بحقها في الوجود والتزمت اتفاقات السلام المبرمة معها».
ماذا يجري هناك؟ لم ينتظر وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك احتفال تنصيبك يا فخامة الرئيس المنتخب كي يذكر بما اعلنته من عقر داره، من اسرائيل، قبل اشهر وتحديدا في 27 يوليو الماضي: «لو كان احد يطلق قذائف من المنزل الذي تنام فيه بناتي في الليل فاني سأفعل كل ما في وسعي للتصدي له... واتوقع من اسرائيل ان تفعل الشيء ذاته».
ليتك ايها الحصيف الملتزم الاصول واللياقات، تجمع ابنتيك وزوجتك امام شاشة التلفزيون وتشاهدون جميعا ماذا يحصل للبنات الفلسطينيات الصغيرات وكيف تخطف آلة الحرب الاسرائيلية الممولة من دافع الضرائب الاميركي زهرة اعمارهن، فقد تغنيك هذه المشاهد ربما عن انتظار احتفال التنصيب وعن اجتماعات الصباح مع المستشارين وتساعدك في الاجابة عن سؤالك... لأن عينيك، قبل التقارير، ستعرفان مباشرة ماذا يجري فعلا هناك.


alirooz@hotmail.com