فجأة... «واحنا قاعدين»، وبطريقة عادل إمام وعبدالله فرغلي الشهيرة في مدرسة المشاغبين، فوجئنا بحكومتنا القادرة على مقاومة البيروقراطية والروتين والتحول التدريجي إلى حكومة online بشكل حقيقي بعد سنوات من الأكاذيب تنجز فيها المعاملات على الشاشات نعم، ولكن يجب تزويد الجهة الحكومية بعشرات الأوراق معها.الآن، مع «كورونا»، وبقدرة واحد أحد ربٌ صمد، صارت الحكومة قادرة على إنجاز المعاملات عن بعد... هكذا تدفع مخالفاتك وهكذا تسدد فواتيرك وهكذا تجدد إقاماتك، هكذا التعليم عن بعد، هكذا يغادر المخالفون. ليس هذا فحسب، بل صُعِقنا بتسهيل التراخيص للمصانع والأعمال الحيوية الأخرى... هكذا بكل بساطة «واحنا قاعدين»... وحجتهم لهذا التسهيل «كورونا» وضرورة عدم التخالط!كل العالم المتحضر والمتخلف يواجه اليوم «كورونا»، ولكن في عالمنا المتخلف فقط وجدناهم يعلنون عن تسهيل الإجراءات المعقدة والمكبلة بالبيروقراطية. في العالم المتحضر، لم يحتاجوا إلى كل هذا التغيير لأنهم من البداية «مسهلينها على خلق الله»، لكن «كورونا» عندما جاءتنا كشفت عورة الحكومة وعرّتها وبيّنت أنها كانت قادرة على التخفيف، ولكنها لم تجنح له عمداً وكان التعقيد على الناس دوماً خيارها الأول، إزعاج المواطن غايتها، وإشغال المراجع مُناها. دفعتنا الحكومة دفعاً للحاجة إلى «المناديب»! وصار السيد المندوب من أهم الشخصيات التي نعرفها في حياتنا... تحتاجونه دوماً ليفككم من استصدار التراخيص وتجديد البطاقات المدنية ورخص القيادة والجوازات واستخراج الجناسي للأبناء و«دق» إقامات خدم المنازل وتجديدها والوقوف في طوابير الفحص الطبي، ناهيك عن دفع المخالفات! ويا ويلك يا سواد ليلك إذا كان عندك ترخيص دكان ولا خياط، والله يعينك إذا كان عندك مطعم، فأنت في هذه الحالة تحتاج إلى مندوب شقردي شايل جنطته المدججة بصور عن كل الهويات وكل التراخيص... والماضي والحاضر وشوية صور شخصية من مختلف القياسات، شي بخلفية زرقة وشي بخلفية بيضة وشي بغترة وعقال وشي مكشوف الراس، ليكون مستعداً لإبراز ما يخطر على بال الموظف أن يسأله عنه.هذه التسهيلات التي تعلن كل يوم، هي في الواقع بمثابة اعتراف من الحكومة على ذاتها بأن كل تلك التعقيدات كانت جريمة مع سبق الإصرار والترصد ترتكب يومياً في حق الناس.ومثل هذه التعقيدات منبعها عادة أمران، الأول مجرد عقد نقص في بعض المسؤولين ممن يتلذذون عند رؤية طوابير الناس تنتظر رحمتهم وتوقيعهم، وربما تجده في الديوانية ليلاً «يهايط» بين ربعه وهو يحك قفاه ويستعرض للحضور كيف «ذليت» فلان وأجبرت علان يجي وهزأت فلنتان!أما الدافع الآخر وهو الأخطر، فهو أن هذه التعقيدات هي البيئة الخصبة التي ينمو فيها الفساد ويكبر ويتطاول بناؤه، ما بين فساد الصغار مقابل مئات الدنانير لإنجاز كل معاملة، وما بين فساد الكبار الذين يقبضون مئات الآلاف وربما الملايين مقابل تسهيل بعض الصفقات والتراخيص والمناقصات.سمو رئيس مجلس الوزراء... هذا ما لدينا، والباقي لدى سموكم... تملكون قرار المضي قدماً في التسهيل ومكافحة الفساد، أو عودة الحكومة إلى وحل الفساد والتمرغ فيه.وفي الختام نقول... ثقتنا فيكم كبيرة... وننتظر.
مقالات
جريمة حكومية... مع سبق الإصرار والترصد
12:47 ص