... هل خَرَجَ فيروس كورونا المستجد عن السيطرة في لبنان؟ سؤالٌ مُرْعِبٌ قبض على «بلاد الأرز» من أقصاها إلى أقصاها أمس، مع تَدافُع المؤشرات المخيفة إلى أن الوباء قد يكون «استوطنَ» البلدَ الصغيرَ الذي لا يحتمل «أمنُه الصحي»... فمع إعلان تسجيل ثاني وفاة في 24 ساعة للبناني مارون كرم (55 عاماً) وارتفاع عدد الإصابات إلى 68 بعد الرقم القياسي في الحالات التي شُخصت إيجاباً ليوم واحد (15 حالة)، ارتفعت المخاوف من أن تكون البلاد طرقتْ بابَ دولٍ أفلتتْ الأمور من يديْها، مثل إيران وايطاليا، وسط استنفارٍ رسمي عَكَس معطياتٍ عن وقائع مخيفة أكثر مما فُسِّر زيادةً في منسوب التحوط، وسابَقَ حال طوارئ تزداد المطالبات السياسية والشعبية بها وباتت قائمة على الأرض في ظلّ دخول غالبية القطاعات التجارية في «الإقامة الجبرية» الذاتية أو بقراراتٍ رسمية (مطاعم، ملاهٍ، أندية مسارح، دور سينما، متاحف حدائق عامة، متاجر)، وقصْر قطاعاتٍ أخرى نشاطاتها بضرورات قصوى وزيادة مستوى الحيطة والحذَر في ما بقي من مجالاتٍ (السوبرماركت والصيدليات). ومن خلف «قرْقعةِ الذعر» العابر للمناطق، أطلّت انتقاداتٌ بالصوت العالي لسوء أداء السلطة والتخبّط الذي يَحْكُمُ تَعامُلَها مع مرحلةٍ مصيريةٍ تَداخَلَ فيها التهديد الكبير الذي يشكّله زحْف «كورونا» مع واقِعها المالي المتدهور.وتَرَكَّزَ التصويبُ على الأداء الرسمي، الذي بدا مرتبكاً منذ بدء تَفَشي الفيروس قبل 3 أسابيع، على النقاط الآتية:•  التذرُّع بحق اللبنانيين والمقيمين بالعودة للإبقاء على الأجواء المفتوحة مع دول موبوءة ولا سيما إيران (جاءت منها رحلة أمس على متنها 150 راكباً) ثم ايطاليا، وسط اعتبار كثيرين أن ترْك «رحلات العودة» مفتوحة من دون جدوْلتها من ضمن عملية إجلاء محددة زمانياً يصار بعدها إلى نقْل العائدين إلى مراكز حجر مخصصة تحت إشراف رسمي، يجعل أي إجراءات طوارئ مشوبة بـ«ثقب كبير» سيقوّضها حكْماً ويمنع أي احتواءٍ ينطلق من تَرَصُّد فترة الاحتضان.•  عدم التعاطي بجدية مع مسألة الحدود المشرَّعة مع سورية التي تُعتبر «خاصرةً رخوة» كبرى يُخشى أن تفتح «باب الكوابيس» على لبنان مع التقارير عن انتشار «كورونا» في 4 محافظات سورية والمخاوف من أي تَسَرُّب للفيروس إلى مخيمات النازحين، بما قد ينقل واقع التصدي للوباء إلى مرحلة مختلفة تماماً تجعل البلاد برمّتها أمام خطر وجودي.وكان بارزاً أمس، أن الجيش اللبناني عَمَدَ إلى قفل المعابر غير الشرعية التي تربط لبنان بسورية من جهة قضاء الهرمل بالسواتر الترابية، وسط دعواتٍ لوقف الحركة من وإلى سورية استباقاً لأي مفاجآتٍ «مُفْجِعة».ولم تتوانَ أوساطٌ مطلعة عن ربْط مجمل الأداء المتردّد حيال التعاطي مع الرحلات إلى إيران التي جاءت منها أولى الحالات وأكثرها ما برر التراخي بإزاء سائر الدول الموبوءة، بالاعتبارات المتصلة بـ«حزب الله» وتأثيره على الحكومة، في ظلّ ملاحظة حصول استدعاءات لإعلاميين وناشطين سياسيين على خلفية انتقادات لأداء وزير الصحة حمد حسن، وبين هؤلاء الزميلان علي الأمين ونوفل ضو.وجاءت تصريحاتٌ عدة لتعكس البُعد السياسي في الملف الذي يُخشى أن يُدْخل البلاد «غرفة العناية الفائقة»، وهو ما عبّر عنه موقف للرئيس سعد الحريري الذي قال «أقفِلوا الأبواب بوجه الكورونا من أي دولة أتى شقيقة او صديقة بعيدة أو قريبة».وفي موازاة الضوضاء السياسية التي رافقتْ ارتفاع «حمى الكورونا»، برزتْ الوقائع الآتية ذات الصلة بـ«تجذُّر» الفيروس لبنانياً والتي استدعت اجتماعاً طارئاً عصراً للجنة متابعة التدابير الوقائية، اتخذ سلسلة إجراءات:• إعلان وفاة مارون كرم (أستاذ) بعد أيام من تشخيص إصابته بالفيروس مع تأكيدات أنه لم يكن يعاني مشاكل صحية، ولكن تبيّن أن جهاز مناعته ضعيف جداً، وهو لم يكن مسافراً وقد انتقلت اليه العدوى من أحد تلامذته القادم من الخارج. • تسجيل أول حالة شفاء من الإصابة بالفيروس.وأوضحت وزارة الصحة في بيان، أن المتعافية مواطنة أدخلت إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي في 20 فبراير حيث تلقت العلاج، وغادرت أمس، «بعد تأكد شفائها التام».•  تأكيد المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي، الدكتور فراس الأبيض، أن زيادة أرقام المصابين تعود إلى اعتماد مختبرات جامعية أخرى في العاصمة، ملاحظاً «أن معدل الإصابة بكورونا يزداد بنسبة 30 في المئة يومياً وهناك دعوة عاجلة لقطاع الرعاية الصحية للمواجهة الوقت ينفذ».•  انضمام نقابة المطاعم والمقاهي والملاهي إلى حلقة القطاعات التي توقفت عن العمل مع إعلانها قفل أبوابها على جميع الأراضي اللبنانية «حفاظاً على صحة الرواد والموظفين أما خدمة التوصيل (الديليفري) فستبقى قيد العمل».•  تسجيل حال من الهلع، وسط هَرَعِ المواطنين إلى المحال التجارية والسوبرماركت لشراء حاجاتهم وتحديداً المنتجات الغذائية خوفاً من إعلان حال الطوارئ ومنع التجوّل، مع تأكيد نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد «ان هناك زحمة كبيرة على غالبية المواد، خصوصاً الغذائية وأدوات التنظيف، ولا نية لنا بالإقفال إلاّ إذا أُرغِمنا على ذلك».•  التقارير عن تسجيل حالات إصابات في جبيل (وعمشيت) ما تسبب بإقفال المحال التجارية في ظل شبه انعدام حركة المرور، ما عَكَس الذعر الذي أحكم قبضته على اللبنانيين.وعلى وقع «كرة الرعب»، خرج رئيس الحكومة حسان دياب بعد اجتماع لجنة متابعة التدابير الوقائية لـ«كورونا»، معلناً إجراءات أبرزها «وقْف جميع الرحلات الجوية والبرية والبحرية الى كل من إيطاليا والصين وإيران وكوريا الجنوبية»، ووقْف دخول «جميع الأشخاص القادمين من الدول التي تشهد انتشاراً للفيروس مثل فرنسا ومصر وسورية والعراق والمملكة المتحدة وألمانيا واسبانيا، على أن يستثنى من ذلك أعضاء البعثات الديبلوماسية واللبنانيون الراغبون في العودة وإعطاء مهلة أربعة أيام لهؤلاء وبعدها توقف كل الرحلات مع هذه الدول»، و»الطلب من الادارات العامة والبلديات وضع جدول مناوبة بالحد الأدنى من الموظفين، واتخاذ كل التدابير لمنْع التجمعات  في الأماكن العامة والخاصة».