لم ينجُ الشأن الثقافي في مختلف بلدان العالم - بكل تشعباته وأشكاله - من تبعات وتداعيات فيروس «كورونا»، فقد أصابه بالشلل ليس على مستوى الفعاليات التي توقفت إلى أجل غير محدد، ولكن على مستوى الإبداع الفكري، الفردي والجماعي، ففي ظل هذه الظروف أصاب القحط الأذهان المبدعة، ولم تعد قادرة على الإبداع أو التفكير في مشاريع ثقافية، أو إنتاج عمل شعري أو قصصي أو نص مسرحي يتواصل مع ظاهرة الهلع التي أصابت الجميع، وأحالت الحياة إلى مكان مضطرب... فالكل متوجس وخائف، وغير واثق من أي شيء... ومتخبط لا يعرف كيف تسير الأمور... ولا أعتقد أن المسألة تتعلق بالصدمة والمباغتة، فأحداث كثيرة أخطر من ذلك الفيروس الطارئ والمخيف، حدثت ومرّت عليها سنوات ولم يخرج بصددها أي عمل إبداعي يوثقها، أو حتى يعبّر عنها.فعلى غرار قرارات أصدرتها بعض الدول بوقف التدريس في المدارس والجامعات، ومنع أي أنشطة تنتج عنها تجمعات بشرية، فضلاً عن الكساد الذي ساد مختلف القطاعات الاقتصادية، حدثت بشكل متسارع قرارات غير معلنة ولا إرادية، لم يصدرها أحد ولم تتبنها جهة، مفادها وقف كل ما هو ثقافي، والذي يتعلق في المقام الأول بالإبداع الفردي، الذي يقوم بكتابته مثقفون ومبدعون خلف مكاتبهم، يقدمون من خلاله نصوصاً تتصارع من الهلع، وتكبح جماحه المستعر، وتوقفه عند حده، الذي فاق المتوقع.ويبدو أن الهلع نفسه سيطر على المثقفين، وأدخلهم في صفوف العامة من الناس، وجعلهم غير قادرين على مجرد التفكير في أي شيء، وبالتالي فإن كل ما نقرأه على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تتعد كونها كتابات عادية خالية من لمسات الإبداع، الذي من المفترض أن يتشارك مع العلاج الطبي والوقاية والتوجيه والإرشاد. حقيقة بحثت في الكثير من المواقع والصفحات التي تتناول مختلف الكتابات الثقافية والإبداعية، ولم أجد ما يتناسب مع الحدث، ويتواصل مع الهلع الذي أصاب المجتمعات الإنسانية، من قلق بيّن على أرواحهم، واضطراب مفاجئ في علاقاتهم حتى مع من يحيطون بهم، الكل أصابه الهلع، ويبحث عن مخرج من دون فائدة، والكل متفاعل تماماً مع كل إشاعة تصدر، من دون التدقيق في محتواها.إنه الهلع الذي يفسره بعض المتخصصين... على أنه الخوف الشديد الذي يعقبه في بعض الأحوال انهيار تام للتفكير وحدوث ردود فعل بدنية ونفسية حادة وغير مبررة لاحتمال حدوث خطر ما، ربما هو في الأساس غير موجود أو أنه موجود ولكن غير مشاهد بالصورة الحقيقية، أو أن الجهات المختصة في دولة ما تمكنت من احتوائه والسيطرة عليه، مثل الهلع من نشوب حرب أو وقوع كوارث طبيعية أو انتشار الأوبئة والأمراض وغيرها، وربما يكون الهلع ناتجاً عن أفكار سلبية تدور في ذهن أحد الأشخاص، ومن ثم يقوم بشكل تلقائي يرسم سيناريوهات غير حقيقية لحدوثها، على أساس أنها محتملة الوقوع، مما يجعله في هلع مستمر، واضطراب وقلق وعدم الثقة في محيطه الخارجي. فالهلع... حالة إنسانية لا يمكن معالجتها بصورة دائمة، وقد يصيب فرداً أو أفراداً في مجتمع ما وقد يصيب المجتمع بأكمله، وربما يمتد ليصيب المجتمعات المجاورة، غير أن الكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية، التي تظهر بين فينة وأخرى في مناطق محددة من العالم ثم تمتد لتطول مناطق أخرى نتيجة تنقل الإنسان، جعل المعاناة من مسألة الهلع عامة ويصعب السيطرة عليها.ونقف عند آخر ما أصاب العالم بالهلع – وربما لن يكون الأخير - إنه فيروس «كورونا» الذي نجح في أن يحول العالم بأثرة إلى بقعة ضيقة من الخوف والتوجس والترقب والانهيار تحت سيل من الإشاعات، والحقائق والأحاديث الصادقة والأخرى الكاذبة، كلها انصهرت في وعاء الهلع، الذي أصاب العالم بأثره... جراء انتشاره «المفزع»... بينما المثقفون غائبون عن المشهد، وربما هذا الغياب يطول، مثل أحداث أخرى مرت منذ شهور وسنوات ولم نتلق أي إبداع حقيقي يوثقها، فهل سنقرأ نصاً إبداعياً يوثّق هذا الهلع الذي أصاب الناس... أم أن الأمر سيمر كما مرّ قبله مروراً عابراً؟!