أم عبد الوهاب بحزم وقوة:- اشفيكم انتوا، أقولكم فتحو الباب بسرعة.تشجع أحد موظفي الخدمة وفتح الباب، فدفعه عبدالوهاب بسرعة البرق، وإذا بجميع الخدم يفرون في أصقاع فناء الفيلا من دون وجهة معينة كظباء فرت من قسورة. عبدالوهاب بلباس السجن من قطعتين سروال طويل وقميص بلونهما الأزرق الغامق، وقد رمى غطاء الرأس، مسرعاً بعد أن أغلق الباب من ورائه بسرعة واضطراب، قفز على الدرج كل ثلاث درجات بقفزة واحدة، دخل الصالة وارتمى في أحضان السجادة وتمرغ بها، وهو يجهش بالبكاء المر، والأم جثت عليه وهي تحتضنه وتبكي بنحيب الثكلى، والأب يراقب الموقف بذهول، الأم بفطرة الأمومة قائلة: - الحمد لله طلعوك من السجن.الأب يستجمع شتات فكره قائلاً:- قصدت تقولين انحاش من السجن.عبدالوهاب مخاطباً الاثنين:- يبا صبروا عليّ شوية خل اتنفس واشرب ماي.الأب ملتفتاً إلى موظفي الخدمة الذين أعادوا ترتيب صفوفهم ورصها وصعدوا إلى باب صالة الفيلا ووقفوا ينظرون بذهول، بعضهم وقف على حرف الباب والبعض الآخر خارج الباب، يتلصصون الرؤية، وموظفتا الخدمة أيضاً وقفتا عند باب الصالة من الداخل.- ييبوا له ماي بسرعة.الأم بعصبية موجهة كلامها إلى جميع موظفي الخدمة نساء ورجالاً:- زتج انتي وياها، روحي ييبي له ماي، يما وليدي الحمد لله إللي طلّعوك... الحمد لله...الأب موجهاً كلامه بحزم:- شلون طلعت بها الليل؟!عبد الوهاب جالساً على السجادة، ممداً كلتا رجليه على الأرض، ومتكئا على كلتا يديه، وما زالت بقايا لهثة بسيطة تصاحبه، مع شعور بألم في بطنه وظهره وقدميه يتعصر منه جرّاء ما قطعه من شوط كبير تارة جرياً، وتارة مهرولاً وتارة ماشياً، وقبل أن يقص كيفية خروجه من السجن وجّه كلامه إلى والده محذرا بخوف ووجل، ولعله أراد أن يزيل شيئاً من غضب والده على طريقة خروجه من السجن، ويصرفه عن الشك الذي ساوره قائلاً:- يبا صكوا البيبان، يبا تكفون، لحد يطلع ترى في «هوشة» وتخريب بره صارت... الرمي بالرصاص والمدافع.الأب متعجباً:- ها... هوشة... عبدالوهاب انت تحجى من صجك؟- والله يبا، تخبر إللي فجروا السفارات والقهاوي الشعبية؟- إي أخبرهم، الله يا خذهم هذيلي ما عدموهم إلى الحين، الله لا يبارج فيهم ذبحوا هاليهال والعيايز والشبيان.- يبا هذولي هم إللي طلعونا، فتحوا لنا باب الزنزانات في السجن، وقالوا لنا يالّه طلعوا... ترى فيه تخريب بالديرة!الأب مقاطعاً بعصبية:- يخسون منين تييب هالحجي أنت؟! هني... بالديرة... لا... لا يا عبدالوهاب وأنا أبوك.- إي والله يبا... تخبر روّاد ديوانية (...)، يبا هذولي إللي سووا التخريب.الأب نافيا نفياً قطعياً:- لا... لا... يا ولدي عبدالوهاب... هذيلي أنا أعرفهم وأعرف عوايلهم، هذيلي عيال حمايل دارسين ومتعلمين وشهاداتهم كلها من بره، أفا عليك ياعبدالوهاب ما كو كويتي يخرب في الكويت، وماكو كويتي، لا... لا... يا ولدي لا تصدق هالحجي... وأنا أبوك... طول عمرنا نختلف في الرأي لكن بعدين كلبونا نقعد مع بعض بديوانية وحدة... أفا عليك بس هذا وانت دارس وفاهم ومتعلم ومهندز بعد.- والله يبا هذا إللي قالوا لنا، وطلعنا أنا مع جم من واحد، ركبنا مع راعي وانيت بالبدي ورى، قطنا عالشارع وركضنا بين البيوت، هو راح بيتهم وأنا ولله الحمد وصلت بيتنا.الأم معقبة بأريحية... وعينها مليئة بالعتب لزوجها على مضايقته لأبنها:- الحمد لله ولدي يوم انك وصلت بالسلامة.* كاتب وباحث لغوي كويتي- قصة مستلهمة من رواية (ذكرى الذكريات) بتصرف، الرواية قيد الطبع.

fahd61rashed@hotmail.com