لعلّ الوحيد الذي أوجب الإسلام الاستماع لخطابه، وحرّم على الآخرين الكلام خلال حديثه هو خطيب الجمعة - فمن قال لصاحبه «صَه» خلال الخطبة فلا جُمعة له.وفي هذه دلالة على مكانة خُطبة الجمعة ومنزلتها في الشريعة الإسلامية.هذه المكانة الجليلة تُحمّل خطيب الجمعة - الذي يرتقي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة.فتجعله يهتم في انتقاء موضوع الخطبة، والذي ينبغي أن يتناسب مع الحاضرين.فيجتهد مثلاً في اختيار موضوع يلامس واقع الناس ويتحدث عن معاناتهم.أو يشير إلى ظواهر إيجابية أو سلبية في المجتمع، فيشجع على الإيجابي منها ويُحذّر من السلبي مع طرح الحلول الناجحة لها. أو يتطرّق إلى بعض المسائل الفقهية إن رأى أن هناك جهلا عاما بها، أو مع اقتراب وقت أدائها كصيام رمضان أو حج بيت الله الحرام ونحوها.إن الناس عند النوازل - وقد كثُرت في هذا الزمن - تلتفت إلى خطيب الجمعة لتسمع منه رأي الشرع في هذه النازلة، وهذا الأمر يستدعي من الخطيب أن يجتهد في معرفة آراء أهل العلم الثقات في هذه النازلة، ليتمكن من إيصاله إلى الناس. إن المجتمع يعج بالمشاكل الاجتماعية، كعقوق الوالدين وإهمال تربية الأبناء، والطلاق، والخلافات الزوجية، وظلم العمال، وسوء معاملة الخدم، وضعف الاحترام بين الناس، والنزاعات بين الجيران، والصراع على التركة بين الورثة، فهذه وغيرها لا بد أن يكون لها نصيب في خطب الجمعة.واقع العالم الإسلامي يعج بالأحداث، ولنا إخوة مسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتعرّضون للقتل والتعذيب والتشريد والتهجير، ومن منطلق أن المسلمين كالجسد الواحد، فمن غير اللائق بخطيب الجمعة أن يتجاهل كل ذلك!إن حسن الاستعداد للخُطبة باختيار الموضوع المناسب، وأخذ الوقت الكافي لإعدادها، والحرص على اكتساب مهارات الإلقاء، مع حسن التوكل على الله وإخلاص النية، عوامل تجعل كلام الخطيب يصل إلى قلوب الناس ويؤثّر فيها - فما خرج من القلب يصل إلى القلب - ومثل هؤلاء الخطباء يحرص الناس على حضور خطبهم وإن كانت مساجدهم بعيدة عنهم، وأتذكّر كم كُنّا نتعنّى من أجل الاستماع إلى خطب الشيخين أحمد القطان ومحمد العوضي وغيرهما من المشايخ الفضلاء. كان الشيخ عبدالحميد كِشك -رحمه الله تعالى- يقول: «إني لأقرأ 40 ساعة من أجل أن أقف على المنبر ساعة»!فكم يحزن الإنسان عندما يسمع عن التقصير المخل في وقت الخطبة واستعجال الخطيب في الانتهاء منها تحقيقاً لرغبة المصلّين!وأصبحت بعض المنابر تنافس مطاعم الوجبات السريعة - في السرعة لا الجودة - كي تحوز رضا الزبون!لقد حثّ الرسول عليه الصلاة والسلام على إتقان العمل، وأعتقد أن من أعظم الأمور التي تحتاج إلى الإتقان: «خُطبة الجمعة».فما رأيكم أيها السادة الخُطباء الفضلاء؟

Twitter: @abdulaziz2002