انشغل الشارع السياسي في الأيام القليلة الماضية بموضوع العجز في ميزانية الدولة، ذلك بعد إعلان الحكومة عن مشروع قانون الميزانية العامة للسنة المالية المقبلة، فذكرت الحكومة بأن العجز في الميزانية بلغ تسعة مليارات دينار، هذا العجز الذي تتكلم عنه الحكومة هو عجز تقديري، فالحكومة تضع الميزانية المتوقعة للسنة المقبلة من خلال تقدير الإيرادات النفطية بالأساس، والإيرادات غير النفطية، التي لا تشمل عوائد الاستثمارات، مطروحاً منها المصروفات المتوقعة، أما الحالة المالية للدولة فيدخل بها العديد من الأمور الأخرى كالاستثمارات الخارجية والصناديق السيادية، لذلك علينا أن نفرّق بين العجز التقديري في الميزانية السنوية للدولة والحالة المالية الكاملة للدولة.نأتي الآن على العجز الذي تحدثت عنه الحكومة في إعلانها لقانون الميزانية، هذا العجز الذي تحاول الحكومة مراراً وتكراراً لوم الشعب عليه، من خلال التصريح بأن الرواتب والدعوم تستنزف ميزانية الدولة، والحل كما تدعي الحكومة بإلغاء وتقليص الدعوم وخفض الرواتب، بل قد جاء في برنامج عمل الحكومة الحالية «بو 18 صفحة» مشروع قانون إعادة هيكلة نظام الأجور في القطاع العام، أي أن الحكومة عازمة على وضع يدها في جيب المواطن البسيط لتعويض فشلها في إدارة الدولة خلال العقود الماضية ما أوصلنا لمرحلة العجز في الميزانية، هذا العجز الذي لم يكن يوماً من الأيام بسبب الشعب، فالحكومة أو السلطة - كون السلطة تعني الحكومة وحلفاءها من الطبقة المخملية - تدير البلد منفردةً من دون حساب ولا عقاب خلال السنوات الماضية، وأسباب العجز في الميزانية كثيرة، أولها سوء الإدارة المالية وغياب التخطيط وانتشار الفساد والهدر غير المبرر لموارد البلد، أما الدعوم ورواتب البسطاء فلا تمثل شيئاً من القيمة الفعلية للأموال المهدرة بسبب الفساد وسوء الإدارة.هذه الحلول والعلاجات لعجز الميزانية التي تروج لها السلطة مستوحاة من توصيات صندوق النقد الدولي، فصندوق النقد الدولي يوصي بإطلاق الأسعار وعدم تحديدها، ووقف التوظيف في الجهاز الحكومي بل والاستغناء عن خدمات بعض العاملين فيه، كذلك من توصياته إلغاء أو تقليص الدعوم، وزيادة الرسوم، وخصخصة القطاع العام في الدولة، وهذه الحلول والتوصيات تبين لنا حقيقة الصراع الذي نعيشه اليوم... فالصراع الحقيقي ليس صراعاً مذهبياً أو عرقياً، بل هو صراع بين مَنْ بيده المال والسلطة ومَنْ لا يملك سوى قوت يومه، هو صراع بين المستأثرين بثروات البلد والمهمشين الذين يقاتلون للحصول على فتات مائدة تقسيم تلك الثروة، لذلك نجد السلطة وحلفاءها يقاتلون لوضع اللوم على الشعب وتحميله فاتورة فشلهم وعجزهم عن إدارة الدولة، فهم يرون السبب من منظورهم وحسب مصالحهم وكذلك فإنهم يضعون الحلول التي تخدمهم وتخدم مصالحهم، فبالنسبة لهم يعود سبب العجز إلى «أن الشعب مو شبعان» كما يقول أحد الوزراء السابقين، متناسين الأسباب الحقيقية المتمثلة في فشلهم وعجزهم ورعايتهم للفساد.لذلك علينا نحن كشعب أن نفهم طبيعة هذا الصراع أولاً، ونعي بأن علينا أن نقاتل من أجل مصالحنا ومكتسباتنا، وأن نطرح الحلول التي تخدم مصالح الغالبية العظمى من أبناء الشعب وليس الأقلية المستحوذة على ثروات البلد، فما يحدث اليوم من استنزاف للاحتياطي العام للدولة عاماً بعد عام سيؤدي بنا حتماً لبلوغ مرحلة العجز الفعلي، كون الدولة تعتمد على بيع النفط الخام كمصدر دخل وحيد، هذا المصدر الناضب والمتذبذب في السعر لا يمكن بأي حال أن يحقق الاستقرار المالي للدولة على المدى البعيد، لذلك فالتنمية وتنويع مصادر الدخل أصبحا ضرورة ملحة ومسألة بقاء، كذلك يجب أن يكون هناك دور اجتماعي للقطاع الخاص، فهو قطاع غير منتج قائم على الدعم والمناقصات الحكومية، وعليه مسؤولية تتمثل في دفع ضرائب تصاعدية على الدخل بالإضافة لتوظيف الكويتيين وتخفيف العبء عن القطاع العام، أما بالنسبة للهدر، فيجب أن يتوقف التضخيم غير المبرر لميزانيات الدوائر الحكومية والتسعير المبالغ فيه للمناقصات والأوامر التغييرية عليها، ويجب أن تتم مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، فحسب البيانات الحكومية في العام 2018 فإن حجم قضايا الأموال المختلسة بلغ 2.4 مليار دينار!هذه هي الحلول التي يجب أن يتبناها الشعب ومن يفترض به أن يمثل الشعب، هذه الحلول هي التي تمثل مصالح الغالبية من أبناء الشعب وليس القلة القليلة المستأثرة بموارد البلد، أما الفشل والعجز الذي تسببت به السلطة فلا يمكن أن يتحمل مسؤوليته البسطاء من المواطنين، لذلك سنتحد من أجل إصلاح سياسي وتمثيل حقيقي للشعب ومصالحه، ونظام يسمح لنا بمحاسبة حقيقية للفاسدين والمفسدين.dr.hamad.alansari@gmail.comtwitter: @h_alansari