... لماذا إغتيل الـ «سوبرمان» الإيراني؟ كيف تَجرّأ «الكاوبوي» الأميركي على إسقاط «الرجل الخارق»؟ هل ستردّ إيران على بتْر ذراعها الطويلة؟ أيّ بنكِ أهداف مُرَشَّح للإشتعال؟ ماذا عن جمهورياته الثكلى في العراق وسورية ولبنان واليمن وغزة، وأدواره الخفيّة في غير مكان؟ إلى أين يُقتاد الشرق الأوسط بكوابيسه وخرائطه وإتجاهات الريح فيه؟

حبرٌ كثيرٌ، كثيفٌ وهائلٌ يُذرف في الكلام عن «الرجل - الأسطورة»، الجنرالُ الإيراني الذي أَغْرَتْهُ «الفانتازيا» فأَسَرَتْهُ، بعدما ذاعَ صيتُه حكايات عن صانِعِ المعادلاتِ بـ «الحديدِ والنار»، وصاحبِ الصورة - الحدَث التي غالباً ما كانت تطلّ من فوق الركام كرمزٍ للجبابرةِ المَرْهوبي الجانب في عالمٍ تَسْحَرُهُ الأدوارُ الغامضةُ وأسرارُها.

لن يَدفن «محورُ المقاومة» قائدَه «المَفْخَرَة»، وسيُمْضي وقتاً طويلاً في سرْدِ الرواياتِ عن «الأيقونة» التي غيّرتْ مجرى التاريخ يوم لاعَبَ هذا الرجلُ النحيلُ الأقوياءَ ونجح في صنْع قواعد اللعبة في الشرق الأوسط الصعب، وجَعَلَ من إيران، الأيديولوجيا والأمبراطورية والمصالح والعمائم والصواريخ «سيّدةَ» المنطقة والشريكَ المُضارِبَ لكلّ الآخَرين.

ولن تُشفى ذاكرةُ المنطقة وشعوبُها سريعاً من كوابيس سليماني، «المايسترو» الذي قادَ فرق القتْل الجوّالة والميليشيات العابرة للحدود، وتَزَعَّمَ مشروعَ تفتيت الدول، وبنى أمجادَ مشروعه فوق الجماجم. فخصومُه الذين يقروّن بكفاءته العالية، في جعبتهم مضبطة اتهامٍ عامرة بالجرائم والمجازر والمكائد والاغتيالات وأشياء أخرى.

وكما في حياته الصاخبة كذلك في مَصْرعه، إحتلّ الجنرالُ الإيراني - اللغز مكانةً مرموقةً، فهو الرقم 3 بعد أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي في عملية «كش ملك» على رقعة الشطرنج التي إسمها هذا الشرق الأوسط اللاهب بالحروب والأدوار والمفاجآت والأسرار والأشرار... فأيّ منطقةٍ ستكون من دون قاسم سليماني؟

لم تكن الولايات المتحدة تريد قتْلَ مهندسِ «الهلال»، الذي لم يتردّد في التعاون معها وقاتَلَ تحت أنظارِها ومَناظير طائراتها، فهي غالباً ما كانت تديرُ له ظهْرَها ليَسْرَحَ ويَمْرَحَ في ساحاتِ أذرعه، وهو لم يكن يهابها لإدراكه أن ما من قرارٍ دولي بشطْبه من المعادلة الإقليمية أو بالتجرؤ على رقمها الصعب أو المجازفة بقلْب الطاولة.

ثمة «مجهولٌ» نَصَبَ فخاً لسليماني وتواطأ مع دونالد ترامب الذي فاجأ الجميع بتوقيعه الأمرَ بقتلِ الجنرال الإيراني الرفيع، الذي لا تستهويه الأوسمةُ بقدر ما تأخذه المعارك... ربما هو سليماني عيْنه صوّب إحداثياتِ مصْرعه حين لم يُصِبْ في إستهانته بـ «قواعد اللعبة» وروّج أن ترامب لا يهوى الحربَ ويكره الشرقَ ومَتاعبَه ويُعْلي معركتَه الإنتخابية على مصالح بلاده وسُمْعَتِها.

غالباً ما كانت «بروباغندا» محور الممانعة توحي بأن الولايات المتحدة المهزومة تلمْلم خيباتِها للخروج من الشرق الأوسط، وأن رئيسَها الهشّ المأخوذِ بالمال تأخذه الإنتخاباتُ ولن يتردد في حمْل عصاه للرحيل من العراق بعد سورية، أما حربُه الناعمة فمجرّد مؤامرةٍ لن تنطوي على شعوبِ المنطقة التي تعوّدت التضحية كـ «حطبٍ» في المشروع الإقليمي الكبير لطهران.

لم يُدْرِكْ هذا «الشبح» الذي أَمْسَكَ بقرارِ أربع دولٍ عربية وساحاتٍ عدة بأن المنطقةَ تتغيّر وأن «إستثمارَه» فيها يعاني إنتكاسةً فعلية مع إهتزازِ الأرض السياسية - الإجتماعية في إيران عيْنها كما في لبنان، رأس حربته على المتوسط، وفي العراق حديقته الخلفية، إذ لم تجد إيران في حركة الإحتجاج في طهران وبيروت وبغداد سوى «شَغَب أميركي».

في بيروت، لم تكن ثورة 17 أكتوبر الحدَثَ «اليتيم» في ذاك الشهر الذي دشّنه إجتماعُ السبع ساعات بين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي خَرَجَ للتو للتلويح بـ «قلْب الطاولة» في 13 أكتوبر، قبل 4 أيام من إنفجارِ الإنتفاضة.

كان «حزب الله» يلوّح بالنزول إلى الشارع في مواجهةِ المصارف لتَشَدُّدِها في التقيّد بمقتضيات العقوبات الأميركية على الحزب، وكان باسيل العائد من الولايات المتحدة من دون أن يفوز بلقاءٍ مع أي مسؤول أميركي، يدرك أن العقوبات بدأت تحوم حوله.

في إجتماعِ السبع ساعات، الذي قيل عنه الكثير يومها، جرتْ مناقشةُ «ترتيباتِ الوضع في لبنان» في ضوء تقويمٍ مشترك خلص إلى إقتناعٍ بإنتصار محور الممانعة مع قرار ترامب بالإنسحاب من سورية (قبل أن يعود ويقرّر الإحتفاظ بوجودٍ في شرق الفرات والتنف) وبتَراجُعِ مكانة المملكة العربية السعودية ودورها في المنطقة بعد تَعَرُّض منشآتِ «أرامكو» للهجوم من دون أي ردٍّ بمستوى هذا التطور.

وثمة معلوماتٌ تحدّثت يومها عن أنه جرى تثبيتُ تبنّي باسيل كمرشّحٍ لرئاسة الجمهورية بعد «نقدٍ ذاتي» لمواقف سابقة وإبدائه ما يكفي من تعهّدات لتموْضعه الكلّي في المحور الذي يتقدّمه «حزب الله»، ومناقشة ترتيباتٍ ترتبط بـ «خريطة الطريق» المستقبلية ومقتضياتها كالتطبيع مع سورية والمواجهة مع الولايات المتحدة وترسيخ العلاقات مع دول أخرى.

ولم يَغِب عن تلك المناقشات، بحسب ما تمّ تَداوُله في حينه، إمكانُ معاودة النظر بالوضع الحكومي للحدّ من تأثيراتِ مَن يغرّدون خارج السرب كـ «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الإشتراكي»، والأهمّ أنه جرتْ عمليةُ تدقيقٍ في مكانةِ رئيس الحكومة سعد الحريري و«وظيفته»، وسط خلاصةٍ مفادها أن الحريري الذي لم يخطئ (مع حزب الله) لم يَعُدْ له من وظيفةٍ في ظلّ القرار بالمواجهة مع الأميركيين.

وما لم يَصدر في البيان عن لقاء نصرالله - باسيل، لمح إليه رئيس «التيار الوطني الحر» بلهجةٍ «إنقلابية» في خطابه الذي ألقاه في 13 أكتوبر عندما هدّد بـ «البحر الجارف» وتوعّد بإقصاء خصومه وكشف عن قراره بزيارة سورية... هذا الكلام الكبير، المتكئ على نظريةِ إنهزام أميركا وإنتصار إيران، جاء قبل أربعة أيام من تحوّل باسيل على وجه الخصوص هدفاً للغضبةِ الشعبية العارمة كأكثر الشخصيات المكروهة.

ففي بيروت، تماماً كما جرى في بغداد، إنفجرتْ الثورةُ، ليكتشف «حزب الله»، الذي تَسَبَّبَتْ خياراتُه بعزْل لبنان، أن الحالة (تَحالُفه مع التيار الحر) التي «إستثمر» فيها منذ العام 2005 للإمساك بالدولة تتهاوى تحت ضغط الشارع المُنْتَفِض في وجهها، قبل أن يُسارِعَ إلى رسْم خطوطه الحمر والتدخّل بقوةٍ لمنْع التضحية بالوزير باسيل، حصانه المجروح إلى السباق الرئاسي.

ورغم أن الثورةَ البيضاء في لبنان لم ترْفع شعاراتٍ ضدّ «حزب الله»، فإنه ناصَبَها العداءَ بعدما أيْقن أن نجاحَها سيطيح بمشروعه. فالحزبُ الذي يتصرّف على أنه «الناظم الأمني والسياسي» للواقع اللبناني سرعان ما «شَيْطَنَ» الإنتفاضةَ وتَعامَلَ معها على أنها «بنت سفارات» هدفُها محاصرته بقطْع الطرق والإطاحة بالتركيبة التي بناها بـ «رموش العين».

ونَجَحَ نصرالله في بيروت بتحقيق (حتى الآن) ما كان عجز عنه سليماني في بغداد. فـ «حزب الله» تمكّن من إستيعاب الصدمة، مارَسَ ما يكفي من الضغوط لنزْع ورقةِ قطْع الطرق من يد الثورة، زَرَعَ خيماً مموّهة لجماعاتٍ قريبة منه داخل الساحات، إستردّ زمامَ المبادرة عبر شدّ عَصَبِ حلفائه في السلطة وشكّل رافعةً لمعاودة إنتاج حكومةٍ ممْسوكةٍ يملك فيها الإمرة.

وهكذا، بدا أنه في اللحظة التي كانت الساحات تفْلت من يد إيران تمكّن نصرالله، أقلّه حتى الآن، من تأجيل واحدةٍ من نتائجِ «الحرب الناعمة» التي أخفق سليماني في إحتوائها في بغداد التي تمرّدتْ على الحديد والنار في إنتفاضةٍ لم تخمدها محاولاتُ سفْك دمها، وتَهاوَتْ على وقع صيْحاتها سلطةُ حلفاءِ إيران بإستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وفَشَلِ إمرار بديلٍ عنه من الطراز عيْنه.

وظَهَرَ سليماني، الذي كانت له اليدُ الطولى في ترتيبِ الأوراق والتحالفات في العراق، خائباً مع فشله في تأمين مخْرجٍ ينهي الإنتفاضةَ ويعيد الإمساكَ بالقرار عبر القوى المُوالية لإيران، وخصوصاً بعدما لوّح الرئيس العراقي برهم صالح بالإستقالة تَفادياً لإرغامه على الإتيان برئيس وزراءٍ لا يريده المحتجّون.

وفي لعبةٍ محكومةٍ بالمجازفاتِ، ثمة مَن أراد القفزَ فوق الوقائع الجديدة في بغداد عبر نقْل «العدسة» من مكان إلى مكان... فـ «وَهْمُ» إستضعافِ الولايات المتحدة وعدم أخْذِ رئيسها على محمل الجدّ دَفَعَ الموالين لإيران إلى التحرّش بالقوات الأميركية كأقصر الطرق لمعاودة إنتاج «عدوٍّ» في صراعٍ يحْرف الأنظار عن الإنتفاضة الشعبية مقدّمةً للإنقضاض عليها.

ولم يكن الهروبُ إلى الأمام سوى سقوط في الفخ، فالولايات المتحدة التي رَسَمَتْ خطاً أحمر حول دمِ جنودها، ردّتْ على تهوّرِ قتْلِ أحد المتعاقدين من مواطنيها مع قواتها بضربةٍ موجعةٍ لقواعد «كتائب حزب الله» العراقي على الحدود السورية - العراقية وإنتقمتْ لمحاولةِ إقتحام سفارتها في بغداد بعملية شطْب «العقل المدبّر» لإيران في المنطقة التي إهتزّت سريعاً.

فمَن يدقّق في «الصندوق الأسود» لعمليةِ قتْل «الرجل الذي لا يُقهر» يكتشف وبلا عناء أن ثمة أخطاء إغتالتْ سليماني مردّها إلى إعتقادِ إيران المُتْعَبَةِ أنها قادرةٌ على تأبيدِ مشروعها في المنطقة بعدما صار الوجودُ الأميركي «أوهن من بيت العنكبوت»، وأنه يمكنها الإمساك بالمزيد من أوراق القوة بعدما يئس ترامب، المنْخرط في الإنتخابات الرئاسية والذي لا يريد أن يَسْمَعَ بالمنطقة.

وبدا أن «مسرحَ العمليات» الأكثر حماوة، أي العراق، خَذَلَ سليماني الذي أداره بعناء، فعانَدَه أخيراً وكَتَبَ الفصلَ الأخير من حكايته الدرامية عبر مصْرعه بفائضٍ من المؤثّرات بالصوت والصورة. فاللعبةُ التي أمْسك بها طويلاً أفلتتْ من يده بعدما تَمَرَّدَ الشارعُ وتَفَرَّقَ عشّاقُه الذين إستَدرجوا الولايات المتحدة بـ «خياراتٍ طائشة» أوقعتْ «الرأس الكبير».

لم تكن «الممانعةُ» مُقْنِعَةً في سرْديّتها لـ «الأسباب الموجبة» التي دفعتْ بترامب وجنرالاته إلى توجيه ضربة ما فوق قاسية لإيران ومشروعها في المنطقة كالقول إن «الرئيس الأحمق» يحتاج لدمٍ لتذخير معركته الرئاسية بعدما كان يُقال الكثير عن أن سيّد البيت الأبيض يتفادى أي طلقةٍ تحاشياً لسقوطه في الرمال المتحرّكة في الشرق الأوسط المَسْكونِ بالعجائب والغرائب.

فإيران التي عاندتْ التفاوضَ تحت وطأة العقوبات غير المسبوقة عليها وتَجَنَّبَتْ الكأسَ المُرّة في رهانٍ على قدرتها على الصمود فوق بحرٍ من الأوجاع، ذهبتْ بعيداً في تَحَرُّشِها بالرجل الذي «لا يُتوقَّع» ورَفَعَ شعارَ «أميركا أولاً»، ظناً منها أن بإمكانها التحوّل ناخباً ضد ترامب، من مضيق هرمز في بحْره وجوّه، إلى العراق مروراً بالرسائل النارية عبر حلفائها في المنطقة.

ولأن الرئيسَ الأميركي إختار «الصيدَ الثمين» الذي هزّ إيران ومحورَها بقتْله الرجل الثاني بعد مرشد الثورة السيد علي خامنئي، فإن المنطقة تدحْرجت سريعاً إلى «فوهة» إحتمالاتٍ يصعب التكهن بسيناريواتها بعدما إرتفعتْ رايةُ «الثأر» من وسط الحشود المليونية التي كانت في وداع سليماني، الرمز الأكثر وضوحاً للخمينية وثورتها العابِرة للحدود.

وإذا كان الأمين العام لـ «حزب الله» سبّاقاً إلى وضْع بنك أهدافِ الردّ كـ «قائدٍ للمحور» الذي هَنْدَسَهُ سليماني ورعاه، فإن من الواضح أن بلاد ما بين النهرين (العراق) تشكّل المنازلةَ الأهمّ، رغم ما قيل عن أن القواعد العسكرية الأميركية والبوارج والجنرالات والجنود أصبحوا في مرمى الإنتقام الذي لا يوازيه سوى إخراج الوجود الأميركي من المنطقة.

وثمة إعتقادٌ بأن سليماني نَجَحَ بـ «دمه» في تحقيق ما أراده أخيراً، بإطلاقِ مسارِ إخراج القوات الأميركية من العراق والذي كان أوّل الغيث فيه التوصية التي صدرتْ عبر البرلمان بقوةِ الإجماع الشيعي الذي سيكون على محكّ ديمومته بعد أن تستيقظ «شياطينُ» الصراعِ على السلطة في بلادٍ تجرْجر أزماتها منذ إسقاط نظام صدام حسين.

هل ستكتفي إيران ومعها «المحور» بالردّ عبر صندوقة البريد العراقية؟...

لن يكون سهلاً إستشرافُ الإحتمالات الصعبة ونتائجها الأكثر وعورة بعدما أظهرتْ الولايات المتحدة ميْلَها إلى إستعادةِ هيْبتها كقوةِ الردْع رقم واحد على الكوكب، وخرجتْ إيران «عن بكرة أبيها» في وداعِ «شمسها» المصابة بالكسوف، وسط خياريْن لا ثالث لهما:

• أن إيران، التي تَصَرَّفَتْ بعد إغتيال سليماني كـ «الأسد المجروح» وأطلقتْ تهديدات من كل حدب وصوب، لا يمكنها إلا أن تردّ الصاع صاعيْن، فمكانتُها و«وعْيها» وكبرياؤها لا يتيح لها إلا ركوب المجازفة عبر الردّ، الذي جاءت مقدّماتُه في كلام كبار المسؤولين في طهران، وفي إجراءاتٍ من النوع الذي صنّف الوجود الأميركي في ساحات المنطقة بـ «الإرهابي».

وتالياً فإن أي قراءةٍ لمستوى الغضب الإيراني وخطاب القادة الروحيين والعسكريين والسياسيين يُفْضي إلى توقُّع صعود الدخان الأسود من أي مكانٍ عائمٍ أو طائرٍ أو جاثمٍ في خريطةِ الوجود الأميركي في المنطقة.

• إمكانُ تَجَنُّبِ إيران إستفزازَ الولايات المتحدة تفادياً لأي ردٍّ على الردّ بعدما كشّرت إدارةُ ترامب عن أنيابها. فإيران التي تدير مواجهاتها بعقلٍ بارد غالباً ما يُسْتَدَلّ عليه بـ «حياكة السجاد»، ستكتفي على الأرجح بـ «الحربِ النفسية» لإقلاق أميركا وقواتها وإبقائها في دائرة «الإستنزاف» اللوجيستي والمعنوي، وتالياً الإمتناع عن أي تَهَوُّرٍ من شأنه إغراق البلاد، التي أنهكتْها العقوباتُ، في مواجهةٍ تزيد من مَتاعبها الإستراتيجية.

ومِن الصعب تَوَقُّع معركةٍ بين الإحتمالين، أي أن تردّ إيران من دون ترْك توقيعِها تَجَنُّباً للردّ الأميركي على الردّ، لأن تصفية الحساب مع قَتَلَة سليماني لا تستقيم إلا إذا كان الردّ صريحاً وعلنياً وواضحاً، تماماً كما كان إغتيال قائد فيلق القدس.

وربما إختارتْ إيران «أهون الشرور» في ردٍّ صاروخي لم يَرْقَ إلى مستوى الردّ بقصْفها القاعدتين المشتركتين للجيشين العراقي والأميركي في الأنبار وأربيل، بالتزامن مع دفْن سليماني وكأنها أرادت تَفادي الإحراج وعدم إستدراج الولايات المتحدة للردّ، في إنعكاسٍ لحجم الضغوط الدولية التي تُمارَس على طهران، ولتجنُّب الذهاب إلى حربٍ لا تريدها.

والمفارقة الأكثر إثارة وسط قرْقعة السلاح أن طهران التي تَعَوَّدَتْ أن تُقاتِلَ بالآخَرين إستحضرتْ، في معرض تلويحها بإخراج الأميركيين من المنطقة، «حزب الله» الذي قال الحرس الثوري إنه ينقل معداته العسكرية نحو الحدود مع إسرائيل، وتَطَوُّع «كتائب حزب الله العراقي» لإكمال الردّ الذي بدأتْه إيران.

وبين الحرب أو اللا حرب، ثمة مَن يستبعد تطوراتٍ من النوع الذي يُحْدِثُ «زلازلاً»، فسليماني لم يكن كل الحكاية في الإقليم الذي تَتَنازَعُهُ واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة ومعهم مَن هم على مقاعد الإحتياط أو في المدرّجات... أنه إقليمٌ يَطْوي اللاعبينَ واحداً تلو الآخَر من دون أن تُطوى... اللعبة.