في خضم الحديث المتصاعد والنبرة الحادة في قضية التركيبة السكانية، وعملية الإحلال التي ما انفك نواب بعينهم يثيرونها، ويحاولون تحميل كل مشاكل البلاد وقضاياها على الوافدين، فقد لفت نظري جواب لوزيرة المالية مريم العقيل على سؤال برلماني تؤكد فيه أن الحكومة عيّنت خلال السنوات الثلاث الماضية 2969 وافداً في مهن التعليم والخدمات الطبية، من أطباء وصيادلة وممرضين وخدمات صحية، مبررة ذلك بعدم وجود كويتيين مسجلين في ديوان الخدمة المدنية لهذه المهن.هذا الجواب يفتح باب النقاش على محورين، الأول يتعلق بمخرجات التعليم العالي، وعدم ربطها بحاجة سوق العمل، رغم التأكيدات الكثيرة والمتكررة لمسؤولي الدولة حول التوجه لربط المخرجات بالسوق، ولكن ذلك لم يعدُ أن يكون كلاما للتسويق الإعلامي وليس للتطبيق العملي، وخير دليل ما يشهده الواقع العملي الذي سأقدم الدليل عليه. ففي مجال العمل الطبي، تبدو مخرجات التعليم من الكويتيين غير كافية لتوسع المرافق الطبية، وهنا لا يمكن أن نفرض توجيه الطلبة للجانب الطبي، لأن الأمر يتعلق بنسب نجاح وقدرات ومهارات ترتبط بحياة وصحة الإنسان، ويبقى الأمر مفتوحاً لمزيد من العمالة الوافدة في مهن هذا المجال.ولكن الأمر الأكثر لفتاً للنظر ما سأذكره الآن، ويتعلق بمهن التعليم، مع توجه لجان التعاقد سنوياً إلى الدول العربية لاستقدام معلمين، من دون العمل على فرض تخصصات مطلوبة على الطلبة بدل التكدس الكبير في تخصصات والهرب من الدراسة في تخصصات أخرى. وللتدليل على ذلك سأضرب مثالاً بسيطاً يمكن القياس عليه بشكل عام، ففي مدرسة ثانوية من مدارس منطقة الأحمدي التعليمية - والحال نفسه في كل مدارس المحافظات الست - تتألف الهيئة التعليمية في الأقسام العلمية مما يلي:قسم التربية الإسلامية يضم 16 معلماً بينهم 15 كويتياً، وقسم الاجتماعيات فيه 13 معلماً، منهم 11 كويتياً، وفي قسم التربية البدنية يوجد 9 معلمين كلهم كويتيون، في المقابل، يضم قسم اللغة العربية 14 معلماً بينهم كويتي واحد فقط، وقسم اللغة الإنكليزية 13 معلماً منهم كويتي واحد أيضاً، وقسم الرياضيات 14 معلماً، وقسم الفيزياء والكيمياء 11 معلماُ، وقسم العلوم 9 معلمين، وقسم اللغة الفرنسية 4 معلمين، وجميع هؤلاء وافدون، ليتضح من هذه الأرقام الخلل في توجيه مخرجات التعليم، لتتكدس المخرجات في أقسام معينة، وبشكل فائض كثيراً عن الحاجة، بدليل أن المدرسة المذكورة يبلغ نصاب معلم الإسلامية 3 أو 6 حصص كحد أقصى، في ما لا يتجاوز نصاب معلم الاجتماعيات الرقم السابق، في المقابل فإن نصاب معلمي اللغة العربية يتراوح بين 12 و18 حصة، والإنكليزية والرياضيات 15 حصة، والعلوم بأقسامه 12 حصة، وهذه الأرقام تكاد تتطابق في كل مدرسة. فأين الخطط والدراسات العلمية والعملية في توجيه مخرجات التعليم لسد العجز في الكوادر الكويتية بالتخصصات العلمية؟ وهل يعلم المنادون بالإحلال بهذه الإشكالية في وزارة التربية؟أما المحور الثاني للقضية فيتعلق بنغمة الإحلال والتركيبة السكانية، فمع اتفاقنا أن هناك عمالة هامشية كبيرة في الكويت، ويتحمل مسؤوليتها تجار الإقامات الذين يبدو أنهم أقوى من القانون، ومعالجتها تبدأ بمحاربة هؤلاء التجار، فإن رمي كرة التوظيف على الوافدين ووجودهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية فيه الكثير من المبالغة والمغالطات، فلم يعد هناك إلا العدد القليل جداً من الوافدين في الوظائف الإدارية، وعلى النواب توجيه بوصلتهم لإجبار الشباب على التوجه للتخصصات الفنية التي يطبق من خلالها الإحلال، بعيداً عن التكسب ومحاولة تأليب المجتمع ضد الوافدين.

h.alasidan@hotmail.com@DAlasidanDr.alasidan@hotmail.com