انطلقت صباح أمس، فعاليات مؤتمر شورى الفقهي الثامن، تحت رعاية محافظ بنك الكويت المركزي، الدكتور محمد الهاشل، بحضور عدد كبير من قيادات وأعضاء الإدارة العليا لمجموعة كبيرة من البنوك والشركات العاملة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.وإلى ذلك أوضح الهاشل أنه كي تنجح المالية الإسلامية في هذا العالم المتغير باستمرار، ولتتمكن من بلوغِ أفُق جديدِ، عليها أن تسلُكَ 3 مسارات متزامنة وهي سدُّ الثغرات، والبناءُ على المبادئِ، والابتكارُ والإبداعُ.وحضر المؤتمر ممثلون عن «المركزي»، والعديد من المهتمين والعاملين في القطاعات المالية الإسلامية، وبمشاركة كوكبة من فقهاء العالم الإسلامي وعلمائه المعروفين، منهم عضو هيئة كبار العلماء السعودية الشيخ عبدالله المنيع.وناقش المؤتمر، الذي ترأسه الدكتور عجيل النشمي، في جلستيه الأولى والثانية، المشاركة المتناقصة لتمويل الأصول الثابتة وحكم الدخول بعقود البيع أو الإجارة التي تُفرض فيها غرامة تأخير لا يقبل الطرف الآخر حذفها، في حين اقترح مدير عام شركة شورى، الشيخ عبد الستار القطان، إنشاء منصة لابتكار وتطوير المنتجات المالية الإسلامية تساهم فيها جميع المؤسسات المالية الإسلامية، مع مشاركة فنية من «المركزي».وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر، التي حملت عنوان «المالية الإسلامية، نبل الغاية وإبداع الوسيلة»، أشار الهاشل، إلى ما يتعين على المالية الإسلامية القيام به لتمارسَ دوراً أكبر في التنميةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، بعد أن نجحت في مرحلة النشأة الأولى وانطلاقتها المحلية، قائلاً «آن الأوان للمالية الإسلامية أن تستهلَّ انطلاقَتَها للعالمِيةِ». وفي ما يتعلق بالمسار الأول، قدم الهاشل بعض الأمثلة على ما تعاني منه المالية الإسلامية من ثغرات، أبرزها نَقصُ العُلماءِ وضَعفُ الحوكمةِ وتركزُ المنتجاتِ، مؤكداً أن الثغرةَ الكبرى في الماليةِ الإسلاميةِ هي نُدرَةُ العُلماءِ الذينَ يجمعونَ بينَ التمكّن في الفِقهِ والإحاطةِ بالعملِ المصرفيِّ والماليِّ، لافتاً إلى ضخامة الأعباء التي يتحملها العلماء المختصون في المالية الإسلامية حول العالم، إذ يشغل 8 علماءَ مناصبَ في 30 هيئةً شرعيةً مختلفةً، 3 منهم يشغل كل منهم عضوية 70 هيئةً شرعيةً!وأضاف أن حوكمة الرقابةِ الشرعيةِ، مازالت بحاجةٍ إلى تعزيزِ استقلالها ومِهنِيتها، والتسامي بأعمالِ التدقيقِ الشرعيِّ عنِ المصالِحِ التجاريةِ، حيث يوجد من التَّرابطِ بين كِياناتِ الرقابةِ الشرعيةِ، ما يزيدُ مخاطرَ تشابكِ المصالحِ وتعارضِها، الأمرُ الذي قد يودي بالمصداقيةِ والثقةِ في الماليةِ الإسلاميةِ.وبين الهاشل أن الثغرةُ الثالثةُ تتمثل في التركزُ الشديدُ للأصول في منتجي المرابحة والإجارة، إذ أن 68 في المئة من أصول كل البنوك الإسلامية تتركز في المرابحة ثم 14 في المئة في الإجارة، أما بقية المنتجات الأخرى -على تنوعها - فلا يتخطى نصيبها 18 في المئة، وفي ذلك تحجير لواسع الشرع، لاسيما أن كثيراً من الأصول المعروضة للمرابحة سلع استهلاكية مستوردة، لا تسهم في التنمية الاقتصادية الحقيقية. وفي المسار المتعلق بالانطلاق من المبادئ، أكد المحافظ أن المبادئ المالية الإسلاميةُ تحظى بقَبولٍ عالميٍّ لدورُها في التنميةِ الاقتصاديةِ المستدامةِ، وارتباطها بأصولٍ حقيقيةٍ، ومشاركتُها المغنمَ والمغرَم، وبعدُها عن الغررِ، ولكن ذلك لم يترجم بعد على أرض الواقع، فبعدَ عقودٍ من العملِ لم يتعدَّ نصيبُ الماليةِ الإسلاميةِ 2 في المئة من الماليةِ العالميةِ، منوهاً إلى أن الدراساتُ تشيرُ إلى أن الماليةِ الإسلاميةِ إن ركزت أكثر على منتجات السّلمِ والاستصناعِ والشراكةِ، فيُـمكنُها توفير مئةٍ وخمسينَ مليونَ فُرصةِ عملٍ خلالَ عقدٍ ونصفٍ، وهو ربعُ الوظائفِ المطلوبةِ عالميًا.وطالب الهاشل ببناءِ المعاملاتِ على المبادئ الإسلاميةِ، وإخراجِها من مَحبِسِ الأُطرِ الضيقةِ، دون تخطي أصولِ الاجتهادِ الفقهي، من خلال منظور شامل يضعُ الإنسانَ في مركزِ الاهتمامِ، ويَرى في قضايا ارتفاعِ البطالةِ وتأخرِ البحثِ العلميِّ وانخفاضِ مستوى التعليمِ وتلوثِ الـمُناخِ، مفاسدَ يتعيّنُ دفعُها، وفي تنويعِ الاقتصادِ ودعم القطاعاتِ المنتجةِ وتمويلِ المشاريعِ الصغيرةِ وتبني التقنياتِ مصالحَ يتوجب ُجلبُها، مشدداً على أن محاكاةَ المنتجاتِ التقليديةِ هي مقاربةٌ خاطئةٌ في أساسِها، تُحجّمُ دورَ الماليةِ الإسلاميةِ، وتحدُّ من قدرتها على الابتكارِ.وفي ما يتعلق بمسار الابتكار والإبداع، ذكر المحافظ أن العالم اليوم يشهد عصرَ الثورةِ الصناعيةِ الرابعةِ، وهيَ فرصةٌ للمؤسساتِ التي تدركُ حجمَ التحولاتِ وتحسنُ التعاطيَ معها، كما أنها في ذاتِ الوقتِ خطرٌ وجوديٌّ على المؤسساتِ الجامدةِ ضيقةِ الأفقِ. دور «المركزي»وتطرق الهاشل في كلمته لدور «المركزي» وإسهاماته في دعم المالية الإسلامية محلياً وعالمياً، حيثُ تبلغُ البنوكُ الإسلاميةُ الكويتية نصفَ القطاعِ المصرفي عدداً، وتقتربُ من النصفِ حجماً، بعدَ أن سمحَ «المركزي»، إلى جانبِ تأسيسِ البنوكِ الإسلاميةِ، بتحولِ البنوكِ التقليديةِ التي ترغبُ بالعملِ المصرفيِ الإسلاميِّ، وتحققَ ذلكَ بالفعلِ لاثنينِ من البنوكِ، ما انعكس بالإيجاب على قطاعاتٍ أخرى وخدماتِ مثلَ التأمينِ التكافلي، والإجارةِ والخدماتِ الصحيةِ والتعليميةِ وغيرِها.وأكد الهاشل حرص «المركزي» على بناءِ القُدُراتِ وتأهيلِها للعمل في المالية الإسلامية، وأن البنك يتواصلُ مع الجامعاتِ لحثِها على تطويرِ المناهجِ لتخريجِ المؤهلينَ للعملِ في هذهِ الصناعةِ، كما أنه استحدثَ شهادةً معتبرةً في مجالِ التدقيقِ الشرعيِّ ملزمةً لجميعِ من يتصدى لهذه المهمةِ. وقال «على المستوى العالمي كان «المركزي» من مؤسسي مجلسِ الخدماتِ الماليةِ الإسلاميةِ، الذي يعمل على وضعِ معاييرَ عالميةٍ موحدةٍ تحكمُ الماليةَ الإسلاميةَ، إلى جانبِ المشاركةِ في إنشاءِ المؤسسةِ الدوليةِ الإسلاميةِ لإدارةِ السيولةِ، فضلًا عن إقامةِ سلسلةٍ من المؤتمراتِ العالميةِ المخصصة لقضايا الماليةِ الإسلاميةِ».وأضاف أن المالية الإسلامية المعاصرة أقدرُ على النجاحِ بعدَ أن تهيأت لها بيئةٌ مواتيةٌ وقبولٌ عالميٌّ.
إنشاء هيئة رقابة شرعية مركزية لفت الهاشل إلى ما أصدرَه «المركزي» من تعليماتٍ لحوكمةِ الرقابةِ الشرعيةِ، تعد الأفضلَ على مستوى العالمِ، مما رسّخَ متانةَ القطاعِ المصرفيِّ الإسلامي في الكويتِ وعزّزَ سلامتَه الماليةَ واستقرارَه، مبيناً أن البنك قدّم طلباً إلى مجلسِ الأمةِ لتعديل قانونه، تمهيداً لإنشاء هيئة رقابة شرعية مركزية لدى «المركزي»، وأن الطلب يقترب من الحصول على الموافقة.