طوال السنوات الـ20 الفائتة، كان العائق الأكبر على طريق التقدم في مجال معالجة سرطانات الدم يتمثل في عدم القدرة على جعل «الخلايا الجذعية المكونة للدم» (HSCs) تتجدد ذاتياً في المزارع المختبرية. لكن الخبر السار هو أن ذلك العائق سيزول قريباً.
كشفت نتائج دراسة علمية جديدة أجراها باحثون في جامعة UCLA في مدينة لوس أنجليس الأميركية عن أن كلمة سر تحفيز الخلايا الجذعية المكونة للدم على التجدد ذاتياً يكمن في بروتين معين – وهو البروتين الذي لاحظوا أن تنشيطه قد أدى إلى جعل تلك الخلايا تتجدد من تلقاء نفسها في المزارع الاستنباتية المختبرية.اكتشف فريق البحث أن البروتين المعروف باسم MLLT3 هو منظم ومحفز رئيسي لآلية تخليق خلايا الدم الجذعية، وهو موجود طبيعياً بمستويات عالية في الخلايا الجذعيّة المكوِّنة للدم لدى الأجنة البشرية والأطفال حديثي الولادة وبمستويات اقل لدى البالغين. وفي المقابل، لوحظ من خلال الدراسة أن خلايا الدم الجذعية المستنبتة في مزارع مختبرية تحوي عادة مستويات منخفضة من ذلك البروتين تحديدا.وفي سياق ورقتهم البحثية التي نشرت قبل أيام قليلة في مجلة «نيتشر» (Nature) الطبية المتخصصة، أوضح الباحثون كيف أنهم نجحوا من خلال تعديل الجين المسؤول عن صنع ذلك البروتين في مضاعفة وتيرة تكاثر الخلايا الجذعية المكونة للدم القابلة للزرع في جسم شخص مريض إلى أكثر من 12 ضعفا. هذه الدراسة الرائدة أجريت تحت إشراف الباحثة وأستاذة البيولوجيا الجزيئية هانا ميكولا، المتخصصة في دراسة الخلايا الجذعيّة المكوِّنة للدم لأكثر من 20 سنة.وقالت ميكولا تعليقاً على نتائج الدراسة: «على الرغم من أننا نعلم الكثير عن الطبيعة البيولوجية التي تتسم بها هذه الخلايا، فإنه ما زال هناك تحد رئيسي يتمثل في جعل تلك الخلايا تتجدد ذاتياً في المستنبتات والمزارع المختبرية التي يتم نقلها وزرعها جراحيا في نخاع عظم المريض. كان علينا أن نكتشف طريقة للتغلب على هذه العقبة كي نتمكن من المضي قدماً في هذا المجال».ولتوضيح أهمية الخلايا الجذعيّة المكوِّنة للدم، قالت ميكولا «جميع أنسجة وخلايا الجسم تعتمد على خلايا الدم في التغذية والحماية. ولإنجاز هذه المهمة الشاقة والمضنية، يجب أن تكون خلايا الدم قادرة على تجديد نفسها ذاتياً باستمرار. وتقع مهمة صنع خلايا دم جديدة على عاتق الخلايا الجذعيّة المكوِّنة للدم، والتي تقوم يوميا بتصنيع مليارات من خلايا الدم الجديدة فضلاً عن إنتاج خلايا مناعية جديدة».وتكمن الخلايا الجذعيّة المكوِّنة للدم في نخاع العظم، حيث تجدد نفسها وتتتطور متحولة إلى الأنواع المختلفة من خلايا الدم والخلايا المناعية.والأشخاص الذين يعانون من بعض أمراض الدم أو الجهاز المناعي - مثل اللوكيميا (سرطان ابيضاض الدم) – يكون لديهم عجز أو قصور في إنتاج إمدادات جديدة من الخلايا الجذعيّة المكوِّنة للدم. ومنذ عقود مضت، يلجأ الأطباء إلى أخذ نخاع عظم من شخص متبرع وزرعه في نخاع عظم الشخص المريض لزيادة تعداد تلك الخلايا الجذعية.ويبشر هذا الاكتشاف الذي توصل إليه الباحثون في فتح آفاق واسعة وغير مسبوقة لمعالجة سرطانات وأمراض الدم عموما، وخصوصا أن هناك قيود وحدود كثيرة تعترض عمليات زرع نخاع العظم في معالجة أمراض الدم عموما، بما في ذلك على سبيل المثال صعوبة العثور على متبرع مطابق، واحتمال رفض جسم المتلقي للخلايا المزروعة، وعدم قدرة الخلايا النخاعية المزروعة في انتاج ما يكفي من خلايا الدم أو الخلايا المناعية لعلاج المرض.ومن خلال الاستعانة بتقنية جزيئية خاصة، لاحظ الباحثون أن تنشيط وتفعيل الجين المسؤول عن تخليق بروتين MLLT3 قد أدى إلى مضاعفة تخليق الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم في المزارع الاستنباتية المختبرية.وبعد زرع تلك الخلايا المعدلة المستنبتة مختبريا في عظام فئران تجارب مصابة باللوكيميا (سرطان الدم)، كانت سعادة الباحثين كبيرة عندما لاحظوا أن تلك الخلايا اندمجت من دون مشاكل في نخاع عظام فئران التجارب، وأنها بدأت في تصنيع أنواع خلايا الدم الصحيحة، والأهم من ذلك هو أنها احتفظت بقدرتها على التجدد ذاتيا في نخاع الفئران.والخطوة التالية التي سيقوم بها الباحثون هي العمل على التأكد من أن تلك الخلايا المستنبة مختبرياً ستعمل بشكل صحيح لدى نقلها وزرعها في نخاع عظام المرضى البشريين، وأن التعديل الجيني لبروتين MLLT3 سيبقى ساري المفعول بعد عملية الزرع.