هل غيّرت مواقع التواصل الاجتماعي أسلوب القراءة، خصوصاً لدى الأجيال التي لم تعاصر في فترة من فترات عمرها القراءة التقليدية، التي كان الاعتماد فيها بشكل مطلق على الورق، بكل ما يحمله من عبق وحميمية؟والسؤال بطريقة أخرى... ما موقف القراءة التي تعتمد على المصادر الإلكترونية، من مسألة التحصيل المعرفي والامتلاء الذهني، والتثقيف الذاتي، الذي كان رائجاً لدى شريحة الباحثين عن العلم والمعرفة، أولئك الذين اعتمدوا في مطالعاتهم على الكتب الورقية، إلى درجة أن عباس محمود العقاد - مثلاً - كان يشتري الكتب المستعملة ليس بالنسخة بل إنه كان يشتريها بالوزن؟وهل أثّرت الصورة (الثابتة «الفوتوغرافية»، أو المتحركة «مقاطع الفيديو») بكل اشكالها، على ذائقة القارئ، وأصبح أسيرها، بتفاصيلها التي ربما تفتقر إلى المعرفة العميقة والمعلومات التي تظل ملتصقة بالذهن؟... وهل الكتاب الورقي - كما يتصور البعض - سيختفي من بين أيدي القراء، وسيتحوّل إلى أثر؟أسئلة كثيرة تدور في الأذهان... ليس سببها أن التقنيات الحديثة أتت بما هو حميد ومفضل، وليس لأن الثورة التكنولوجية تعْمد في كل جديدها إلى استلهام التحضر والتقدم في ما تقدمه للعالم، وليس لأننا نشهد قفزات نوعية وخيالية في ساحة الفضاء الإلكتروني، بفضل ما تتمتع به من شمولية وتحد غير مسبوق لعقل الإنسان... وليس لأن هذه التقنيات الحديثة قطعت أشواطاً مذهلة في مفهوم الاتصال والتواصل.إن الأسئلة المطروحة - فقط - تتعرض لمسألة القراءة تلك التي لم تستفد مما سبق كله، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، التي تعاني في الأساس من قلة القراءة، حتى قبل استفحال الإنترنت وتضخم دوره في الحياة بشكل عام، تلك القراءة التي أخذت في الانحصار إلى درجة وصولها الى الاكتفاء بقراءة العناوين فقط، وعدم الخوض في المتن، وهذه المشكلة، كانت عواقبها وخيمة على مفهوم التراكم المعرفي، بحيث أصبح الذهن فارغا إلا من عناوين متفرقة وغير واضحة الرؤية أوالتحليل، والآن الأمور ازدادت استفحالاً وتعقيداً حينما أصبح الذهن لا يعتني في الأساس بالفكرة، ولا تهمه المعلومة ولا من أين أتت «مصدرها»، ولا كيف انبثقت؟ وبالتالي فإن القراءة أصبحت شيئاً هلامياً في الوجدان العربي، ولا يعوّل عليه في مواضيع حيوية تتعلق بالتطور والتقدم، والتنافس في المحتوى الإعلامي والعلمي والثقافي.فالقراءة بالفعل تأثرت تأثيراً سلبياً في وجود الإنترنت، بل إنها أخذت مسارات مبهمة، وغير سليمة، ستؤدي في نهاية الأمر إلى صناعة جيل لا يقرب القراءة الحقيقية، وستظل الأخبار التي تطيّرها المواقع الالكترونية، والصور التي تلتقطها الأجهزة الذكية، هي أساسه الذي يعتمد عليه في استقاء المعلومات، وفي تحولاتها، وتحركاته نحو مصيره، ومن ثم لن يلتفت إلى أحلامه التي توأد أمام عينيه، في ظل تراجع أفكاره وضعف معلوماته وسطحيتها وعدم ملاءمتها للظروف المحيطة به.وأمام هذه النظرة - التي يرى البعض أنها سوداوية - ربما تكون هناك نهضة لجيل ما من أجيالنا العربية المتعاقبة، للانتباه إلى القراءة، وما تمثله من مستقبل، وأداة لمواجهة الواقع بكل تحدياته، والتخفيف قدر المستطاع من القراءة السريعة أو العابرة، تلك التي تستخلص المعلومات، ولا تبني المعرفة.في ما تظل القراءة مهما كان مقدارها أهم بكثير من الاكتفاء بصورة أو مقطع فيديو، قد يلخص الحدث وربما يبرزه، ولكن لا يحلله أو يبحث في معلوماته، وفي ما يخص الكتاب الورقي، فإنه باق طالما أن الطفل في بداية تعليمه لا يزال يتعلم الإمساك بالقلم والكتابة على الورقة البيضاء، وإنه في الوقت الذي تتغير فيه هذه التقنية في التعليم - خصوصاً في مراحله المبكرة - ومن ثم وضع الطفل أمام شاشة الأجهزة الحديثة ليتعلم القراءة والكتابة عليها من دون أن يقرب القلم... وقتها يمكن القول إن الكتاب الورقي قد نفد دوره وأصبح أثراً، وأعتقد أن ذلك لن يحدث على وجه الإطلاق، أو أنه لن يحدث إلا في ظروف تقنية أكثر حداثة وتطوراً.فالقراءة فعل إنساني ضروري... لا يمكن الاستغناء عنه، أو استبداله بأي وسيلة أخرى، سواء كانت تلك القراءة تقليدية من خلال الورق، أو الشاشة الإلكترونية والأجهزة الذكية.
متفرقات
القراءة... والخروج من مأزق ضعف المعرفة
03:33 م