وعدنا في مقالنا الفائت بأننا سنتناول (مسلسل ذاكرة الجسد)، مثالاً لنوعية بعض الصراعات في الوسط الفني؛ لذا يتجه ظني أن الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، قد كتبت رواية «ذاكرة الجسد» لطبقة معينة من القرّاء المهتمين بفن كتابة الرواية؛ إذ إنها اعتمدت على تقنيات عالية المستوى في الكتابة معنى ومبنى، حتى غدت هذه الرواية حديث الأوساط الأدبية ومثار اهتمام الكتاب والمثقفين، وحينما أرادت أن تجعل من هذه الرواية عملاً فنياً، معنى هذا أنه سينسلخ عن الأدب المكتوب وينتقل إلى الفن المرئي والمسموع، وسينتقل من الفن والإبداع إلى الفن والصناعة، ليطّلع عليه القاصي والداني، ويكون عرضة لجميع طبقات المجتمع، وطبيعة الإنسان الفضولية تحب أن تشاهد عملاً كاتبته أثيرت حولها ضجة إعلامية لا نظير لها، حينما رأى هذا العمل النور بالنشر والتوزيع، وقد طبع منه أكثر من عشرين ألف نسخة في بداياته، وهو إنجاز وسابقة تسجل للمثقفين الجزائريين.والانتقال من عمل مكتوب لشريحة معينة من القرّاء - كما ذكرنا آنفاً - إلى عمل مرئي ومسموع لجميع الشرائح يتطلب جهداً جباراً في صياغة السينارست، إذ لا بد من واضع السيناريو لهذا العمل أن يتمتع بمهارة فائقة في الإلمام بالمجتمع الجزائري، وقارئاً جيداً لتاريخ الجزائر السياسي والاجتماعي والثقافي - ولا سيما - أن من سمات الشعب الجزائري الرقة والحساسية والدفء في الوجدانيات والصدق في المشاعر، وفي لحظة قد يكون شعباً ثائراً وقوياً وعنيداً إذا ما مُسّت ثوابته (ثورة، نضال، جهاد، شهداء)؛ فهذه الأربعة هي خط أحمر بالنسبة للشعب الجزائري، لأنه قدم كثيراً من التضحيات، ولأن مقارنة زمن الاستعمار بمقارنة بدء الثورة والتخلص من المستعمر تجعل - ليس الجزائري فحسب الذي يفتخر بهذه الأربعة - بل كل عربي حرّ شريف عليه أن يضع هذه الأربعة بمثابة أوسمة شرف على صدره ويتباهى بها. هذا العمل البطولي لا يسمح الجزائريون بتشويهه، ولا يسمحون كذلك بعمل فني هش أو متدن أو مهلهل يجسّد هذه الفترة الفارقة في تاريخ الجزائر.لقد فهمت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي قيمة ثورتها الجزائرية؛ فكتبت روايتها بتقنية عالية المستوى، وبلغة رفيعة وبحيطة وحذر، فإلى أي مدى نجح السينارست والمخرج في تقديم أحداث هذا العمل العظيم؟ وهل أحلام راضية عن هذا السيناريو وهذا الإخراج أم غير راضية؟أجرت جريدة الشروق التونسية، الأحد 26 ديسمبر 2010 ؛ ص 27 (مرافئ ثقافية). حواراً مع الكاتبة أحلام مستغانمي الجزائرية؛ ووجهت لها السؤال الآتي: إلى أي مدى تطابقت الرواية مع المسلسل التلفزيوني؟ فقالت: «آلمني مسلسل ذاكرة الجسد». ثم أردفت: «لم أدل بأي تصريح بخصوص المسلسل وهذه المرة الأولى التي سأتحدث فيها عنه وأرجو نقل كلامي بأمانة... لا أريد أن أشوّه عملاً يحمل اسمي وأقول ما يسيء إلى هذا العمل. لكن بصراحة، النصف الأول من العمل، أي 15 حلقة الأولى، كانت جيدة ومطابقة للكتاب، والسيناريو كان مأخوذاً حرفياً من الرواية وكان (المونولوغ) جميلاً لأنه يملك حميمية اللغة التي أحبها القراء في الرواية، ثم بحكم إطالة العمل حتى يصل إلى 30 حلقة خرجوا عن النص تماماً، وأدخلوا شخصيات أساءت إلى العمل. فهناك نساء هستيريات بصفات غير لبقة، وخالد أصبح سكيراً يتردد على الحانات وهذه أشياء لم أتقبلها ولا أظن قرائي تقبلوها، فهناك بُعد رمزي في العمل لم يصل، مع الأسف، إلى المشاهد، وربما لم يَع ِالأستاذ نجدت أنزور هذا البعد، فـ(حياة) هي رمز الجزائر». أ.هـ... وللحديث بقية.

* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com