بعد نحو ثلاثين عاماً من الممارسة اليومية المكثفة للإعلام، يمكنني القول إننا في واحدة من أسوأ مراحل الحريات الإعلامية خلال العقود الثلاثة المنصرمة.لماذا؟... ليس بسبب النظام ولا بسبب النيابة ولا بسبب المحاكم، ولكن بسبب القوانين الملزمة للنيابة والمحاكم، والتي تستهوي الحكومة ونوابها، هذه القوانين التي وضعها مع الأسف نواب ظنوا أنهم من المخلدين على مقاعدهم الخضراء، فأرادوا منع انتقادهم لضمان البقاء، بالتالي، قيدوا وسائل الإعلام الواضحة المعلنة المؤسساتية التي كانت مفخرة تفاخر بها الكويت بقوانين ظالمة قاسية، وأحياناً غبية النصوص. وفي المقابل، تركوا «إعلام الابتزاز» الذي يخضع إلى أموالهم وواسطاتهم ونفوذهم - هم والحكومة - يسرح ويمرح ويقول ما يحلو له من دون حسيب أو رقيب، فيقوى... وهذا ما يريدونه لأنهم يستخدمونه لتلميع أنفسهم أو لمهاجمة أعدائهم.ولكن... ورغم وضوح هذه الصورة، نجد أن هناك من يخلط الأوراق (عمداً أو سذاجة) ويظن أنه بدفاعه عن «إعلام الابتزاز»، إنما هو مدافع عن «الحريات» رغم أن ما يدافعون عنه مجرد «أشباح» على مواقع إلكترونية ليست مسؤولة أمام أي من القوانين سيئة الذكر التي كبلتنا، وهي:قانون المطبوعات والنشر، وقانون الإعلام المرئي والمسموع، وقانون الإعلام الإلكتروني... عدا عن «خدعات نصية» تحيلنا من حيث لا نعلم من قوانين الإعلام إلى قانون الجزاء، وربما وراء القضبان التي ترتكز في مواده.من يدافعون عنهم يقولون إن هذه القوانين كافية! وهي بالفعل كافية، بل «خانقة» لنا كإعلاميين ونتمنى زوالها اليوم قبل الغد غير مأسوف عليها ولا على من شرعها... لكنهم لا يفعلون شيئاً حيالها، وفي الوقت ذاته لا يقولون إن الحسابات التي يدافعون عنها ليست معنية بأي من هذه القوانين!نرى أقلاماً تدافع عنهم و«تلطم» يومياً في جنازة «الحريات الذبيحة»، وهم في الواقع يمارسون لعبة «خلط الأوراق» التي تعلن جزءاً من الحقيقة وتدافع عنها بطريقة تداعب مزاج محبي الحريات - وهم كثر - فتحاول أن توهمهم أن حسابات الابتزاز تمثل الحرية وأن نقيضها وسائل الإعلام التي تكبلها القوانين والغرامات، ثم يطعنون في جرأتها ومصداقيتها بعدما وضعوا أمامها الحواجز والعقوبات... مقابل ترك تلك الحسابات تسرح وتمرح وتلمز وتطعن وتشتم وتبتز وتستخدم في صراعات إقليمية واستخباراتية خارجية، وتعبث في كل القيم والأخلاقيات والمبادئ حتى وصل تطاولها وافتراؤها إلى الذات الأميرية المصونة بحكم الدستور وقوانين الدولة. ولكن هيهات... فلا حواجز أمامها ولا قوانين تردعها ولا نيابة تحقق معها ولا محاكم تعاقبها، لأنها ليست معنية بالقوانين إلا إذا تم كشف صاحبها، وهذا أمر بالغ الصعوبة والتعقيد... ومع ذلك يتباكون على حريتها السليبة!

ختاماً واختصاراً نقول...

عدلوا القوانين الخانقة للحريات فوراً.عدلوا قانون المطبوعات والنشر.عدلوا قانون المرئي والمسموع.عدلوا قانون الإعلام الإلكتروني.دعونا - يا نواب - نتنفس حرية الإعلام، وعندها لن تبقى حجة عند معارض أو موالٍ أو غير محسوب على أحد بالحاجة إلى حسابات وهمية، اللهم إلا إن كان مبتزاً كذاباً أشر.

وللمدافعين عن الحريات الإعلامية في الكويت نقول...قولوا للنواب: ارفعوا الظلم عن الإعلام الكويتي الحقيقي، وأثبتوا ديموقراطيتكم وحريتكم إن كنتم صادقين.