تَجاذَبَ المشهد السياسي في لبنان أمس، مَناخان مُتَناقِضان عزّزا حالَ الغموضِ الذي يكتنف مصيرَ الأزمة الحكومية التي تَدْخُلُ اليوم شهرَها الثاني مُنْذِرَةً بتَفاعُلاتٍ خطرة متعدّدة الاتجاه باتت «فتائلُها» في سباقٍ مع المَساعي الراميةِ إلى إحداث كوّةٍ في جدار المأزق الذي «يقْبض» على مجلس الوزراء المُعَلَّقَة جلساته منذ «حادث البساتين» (عاليه) في 30 يونيو الماضي.وإذا كان المناخُ الذي تحدّث عن حلحلةٍ مُتَوقَّعةٍ قد تفضي لعقْد جلسةٍ للحكومة مطلع الأسبوع المقبل على خلفية أفكار جديدة تجري بلْورتها وُضع في سياق تمديدِ «فترة السماح» أمام محاولات تدوير الزوايا وتغطية تريُّث رئيس الحكومة سعد الحريري في دعوة مجلس الوزراء من خارج تَوافُقٍ يجنّب الحكومة كأس «الانفجار من الداخل»، فإن «الحائطَ المسدود» الذي عبّر عنه النائب طلال أرسلان بتشدُّده في التمسك بطرْح حادث البساتين كبند أوّل على طاولة الحكومة والتصويت على إحالته على المجلس العدلي و«خلص مبادرات لَعندي» عَكَسَ التعقيدات الفعلية التي ما زالت تعترض بلوغَ أرضيةٍ مشتركة لحلٍّ يُخشى أن تكون حساباتُه صارت تتشابك مع عناصر «ما فوق محلية».وفيما شكّلت زيارة الحريري، العائد من إجازة عائلية قصيرة، لرئيس البرلمان نبيه بري، الذي نُقل عنه «أن لديه دائماً أفكاراً للحلحلة وقد نرى هذا الأمر قريباً» (كما قالت الوزيرة مي شدياق)، مؤشراً لإصرار رئيس الحكومة على المضي بحركة الاتصالات التي تُبْقي على «خيْط التفاؤل» الذي يجنّب البلاد الغرق المعلَن في دوّامةِ تشاؤم لا تحتملها سياسياً ولا مالياً، فإنّ إطلالة أرسلان حَمَلَتْ أكثر من دلالة ولا سيما أنها أعقبتْ سقف التصعيد الأعلى الذي ارتسم مع المواقف الأخيرة للأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي دَعَم موقف حليفه (أرسلان) بأحقية مطلبه بإحالة قضية «البساتين» على العدلي، ليردّ زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط (كان مناصروه طرفاً في اشتباك البساتين الذي سقط فيه اثنان من مرافقي الوزير صالح الغريب - من حزب أرسلان) رافِضاً أي لقاء مصالحة في القصر الجمهوري ورابطاً ما يجْري بما اعتبره محاولة «حزب الله» الضغط عليه والحريري «للاصطفاف معهم في المواجهة بينهم وبين الأميركيين». ولم يكن ممكناً أمس التقليل من وطأة كلام أرسلان في مؤتمره الصحافي الذي نعى فيه 3 مبادرات حصلتْ منذ 30 يونيو واتّهم جنبلاط بإجهاضها، معتبراً أنه في المسار القضائي (الإحالة على العدلي) «لا نساوم ولا نُقايِض» وكذلك في المسار الأمني القائم على «وضْع خطة جدية في الجبل يكون فيها الجميع تحت القانون (...) أما في المسار السياسي فحاضرون»، مؤكداً «عملْنا اللي علينا والكرة ليست في ملعبنا، ولن يحصل أن تجتمع الحكومة وتبحث في جدول أعمال من نفايات وتعيينات ومش عاجبهم ليجتمعوا ويقيلوا الوزير الغريب». وفي حين لم يظْهر أيّ مؤشرٍ لإمكان تَراجُع الحريري عن رفْضه إدراج حادثة البساتين على طاولة مجلس الوزراء وسط تقارير عاودتْ تظهيرَ جانبٍ رئيسي من هذه الأزمة يتّصل بكونها أصابتْ «بيت رئيس الجمهورية» ميشال عون على خلفية القول إن رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل كان «الهدف السياسي أو الأمني» للحادثة التي وقعت قبيل زيارة كانت مقرَّرة له لبلدة كفرمتى (عاليه)، فإنّ أسئلة عدة طُرحت حول كيفية الوصول الى «المخْرج الاضطراري» من المأزق الذي بات موصولاً بـ«صواعق» عدّة سياسية وطائفية وأمنية ومالية تستوجب قطْع فتيل التفجير قبل بلوغه... «برميل البارود».وإذا كان حرْص رئيس الجمهورية على توقيع قانون موازنة 2019 بمعزل عن ملابسات المادة 80 (حول حفظ حقوق الناجحين في مبارياتِ مجلس الخدمة المدنية ويعترض عليها التيار الحر لعدم مراعاتها التوازن الطائفي) التي يَعتبر فريقه أنها «هُرّبت» عَكَس استشعارَ عون بخطورة الرسالة السلبية التي سيشّكلها احتجاز الموازنة تجاه المجتمع الدولي الراغب في إطلاق المسار التنفيذي لمؤتمر «سيدر»، فإن هذا التطوّر لا يكفي لـ«حماية» لبنان من تأثيرات اللجوء المحتمل لوكالة «ستاندرز اند بورز» لخفض التصينف الائتماني للبنان في تقريرها المرتقب في 23 أغسطس المقبل مرتكزةً في أحد جوانب ذلك على الواقع السياسي المأزوم الذي يشلّ السلطة التنفيذية في لحظةِ تحديات أخرى لا تقلّ وطأة وبينها المنحى الأميركي المتشدّد حيال «حزب الله» وإطلاق مسار العقوبات بحق جناحه السياسي بعد العسكري، وسط خشيةٍ من ضغوط على لبنان الرسمي لتعزيز التمايز بين الدولة وبين الحزب ومن تَمَدُّد العقوبات إلى حلفاء له.وفي هذا السياق، توقّفتْ أوساطٌ مطلعة في بيروت عند تقارير تخوّفت من استغلال بعض الجماعات الإرهابية للتحركات الشعبية في المخيمات الفلسطينية المُعْتَرِضة على خطة وزير العمل كميل أبوسليمان (لمكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية والتي لا توفّر اللاجئين) للتصويب على الجيش اللبناني والإعداد لمواجهات أمنية تغرق الفلسطينيين والجيش في فتنة واقتتال دامٍ، متسائلة هل يمكن أن «يُستثمر» هذا الفتيل أمنياً في لحظةٍ معيّنة لجرّ الجميع «على الحامي» إما الى تسويةٍ للأزمة السياسية أو إلى خيارٍ على طريقة «غالب ومغلوب»؟