أثار إعلان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، السويسري جاني إنفانتينو، بأن الاتحاد «لن يتستر او يحمي أي شخص متورط في قضايا تتعلق بمزوالته نشاطا يتعلق باللعبة»، في معرض رده على ايقاف رئيس المجلس الاولمبي الآسيوي الشيخ أحمد الفهد، تساؤلات عن المدى الذي وصلت إليه قوة رئيس «الفيفا» و«قبضته الحديدية» التي تكاد تكون «امرا واقعا»، في ظل الضعف الذي ينخر الشخصيات ذات الثقل حول العالم.فـ«هجوم إنفانتينو» و«عباراته اللاذعة» حول مسألة الفهد، قد لا تكون محض صدفة، إذا ما تطرقنا الى جملة امور حدثت، خلال الاعوام الماضية، ودلّت على مدى ترسخ قوة رئيس «الفيفا» الذي يبدو وكأنه مثل «محرِّك الدمى» الذي يتحكم بالاحداث في كل مكان، كما يشاء من دون انتقاد أو تشويش أو منافسة من الغير. وخير دليل على ذلك تبنّيه مقترح توسيع كأس العالم 2022 في قطر من 32 منتخبا الى 48، ثم تراجعه عنه من دون أي «ضجة» أو وصف ما جرى بـ«الفشل الشخصي»، بل انه كان نجم الجمعية العمومية في العاصمة الفرنسية باريس والتي شهدت، قبل ايام، تزكيته لولاية جديدة على رأس المنظمة الدولية حتى 2023، من دون منافس. وتتكالب التساؤلات عن مغزى انتهاج إنفانتينو أسلوبا هجوميا بحق الفهد، بدلا من «رد ديبلوماسي» على السؤال الذي وجه اليه في المؤتمر الصحافي الذي سبق الجمعية، وتفسر بأن السويسري ربما «رفع غطاء الدعم» عن رئيس المجلس الاولمبي الآسيوي، ليتخلص من منافس واسع الافق على «خارطة نفوذ الكرة والرياضة العالمية».ويبدو أن «هجوم إنفانتينو» يحمل في طياته خسارة جديدة للفهد في عالم الرياضة العالمية التي شهدت صعودا كبيرا له، قبل ان تتراجع اسهمه بحدة، حتى وإن كانت بشكل تدريجي، خلال السنوات الاربع الماضية.ولا شك في أن إنفانتينو يملك الكثير من الحنكة ليدرك بأن منافسه يعتبر «ورقة خاسرة» في ظل وضعه الحالي، ويبدو أن السؤال الذي وجه اليه في باريس كان خير فرصة له ليشنّ «هجوما مباغتا» عمل من خلاله على «قصقصة أجنحة» خصمه.
«لا يسمع لأحد»وبنظرة تحليلية لمسار عهد إنفانتينو، نجد أن الظروف والحذاقة الشخصية لرئيس الاتحاد الدولي في التعامل مع المجريات المحيطة به، جعلته «الشخصية الاوحد» في عالم كرة القدم العالمية و«ملكاً غير متوج» في «أقوى منصب رياضي» على الاطلاق، معتمدا على ادوار وعوامل سياسية ومالية صبت في صالحه واستثمرها على خير ما يرام.صعد «المحامي الذكي»، ابن مهاجر من جنوب إيطاليا الى سويسرا، السلم درجة درجة في الاتحاد الاوروبي للعبة، طيلة عقدين، وكان احد اركان قوة الرئيس السابق، الموقوف بتهم فساد، الفرنسي ميشال بلاتيني، حتى تسلم رئاسة «الفيفا» في ظروف صعبة، وبعدما عصف الفساد بالمنظمة الرياضية الدولية الابرز.أسلوبه البسيط والبارع في التعبير عن المشاعر الجيّاشة وانتقاء الكلمات الحارة، جعلاه قريباً من مبتغاه في المعارك والمسائل التي خاضها في بداية ولايته كافة، وهو ما جعل نفوذه يطغى على المحيطين به والاجهزة التي يقودها ومنها «مجلس الفيفا» حيث يحظى بتأييد كبير تقوده الايطالية إيفيلينا كريستلين.ولا غبار على أن الظروف خدمته داخل منظومة «الفيفا» بعدما «طار» مواطنه جوزيف بلاتر من رئاستها بسبب تهم الفساد، فأحكم «قبضته» عليها بفضل شبكة من «خيرة المعاونين»، على رأسها الامين العام فاطمة سامورا وهي ديبلوماسية سنغالية سابقة في الامم المتحدة تتمتع بعلاقات سياسية واسعة.القوة المتصاعدة لإنفانتينو جعلته «صاحب رأي أوحد»، بحسب ما وصفه الرئيس السابق للاتحاد الالماني، راينهارد غريندل، أحد ألدّ أعدائه والذي استقال من منصبه قبل شهرين، وأزاح هّماً من طريق السويسري. وقال غريندل: «من خلال الاجتماعات التي يحضرها، يبدو إنفانتينو وكأنه لا يريد ان يسمع لأحد».
خارطة المنافسينليس مستغربا أن يصل إنفانتينو الى هذه المنزلة، إذ ان الضعف يعتري كل أقطاب الكرة العالمية وفي القارات كافة في الوقت الراهن.
وإذا تطرقنا الى «القارة العجوز»، نجد ان رئيس الاتحاد الأوروبي، السلوفيني الكسندر تشيفيرين لا يتمتع بأي جاذبية أو ثقل يهددان إنفانتينو، في ظل «احتراق ورقة» شخصيات مثل بلاتيني وبلاتر وغيرهما كثر.في القارة الأفريقية، يبدو اتحاد اللعبة في اضعف حالاته منذ سنوات طويلة، في ظل التخبطات التي يعانيها في مسابقاته وصراعاته الادارية وسيطرة رئيسه أحمد أحمد من مدغشقر والذي أخلت السلطات الفرنسية سبيله، أول من أمس، من دون توجيه الاتهام إليه، حيث خضع للاستجواب، الخميس الماضي، من قبل مكتب مكافحة الفساد التابع للشرطة القضائية، على خلفية شبهات فساد.في القارة الآسيوية، خبا نجم الشيخ احمد الفهد الذي اعتاد ان «يصنع أقطاب القوى»، عقب استقالته من مناصبه الكروية كافة وابتعاده عن مجال اللعبة على خلفية ورود صفته ضمن المتهمين في قضية رئيس اتحاد غوام السابق ريتشارد لاي والتي أصدرها القضاء الاميركي، بالاضافة الى استقالته من مناصبه الاولمبية على خلفية اتهامات أخرى بشأنه من قبل المحكمة الفيديرالية السويسرية. ومن البديهي ان يدور الاتحاد الآسيوي ورئيسه الشيخ البحريني سلمان بن ابراهيم آل خليفة، في حلقة الفهد حتى الآن، خصوصا وأن الاخير لعب دورا مهما «من خلف الكواليس» في مسار الانتخابات التي أجريت، في ابريل الماضي، حيث «أدار دفة مسارها» من أحد فنادق العاصمة الماليزية كوالالمبور وعلى بعد مئات الامتار من مقر الاتحاد، من دون أن يظهر علناً. ومن هذا المنطلق، لا يبدو ان القارة الآسيوية بكل اقطابها، تشكل أو ستشكل إزعاجا لإنفانتينو حتى في المستقبل القريب، خصوصا بعد «الهجوم» الاخير.في قارة اوقيانيا، يعاني الاتحاد من ضعف بعدما أوقف «الفيفا» الأمين العام السابق، النيوزيلندي تاي نيكولاس، 8 سنوات لاختلاس الأموال والرشوة، خلال الشهر الماضي. كما ان «الفيفا» اوقف رئيس الاتحاد الاوقياني السابق ديفيد تشونغ (من بابوا غينيا الجديدة) بالتهم ذاتها، في العام الفائت.في القارة الاميركية، يجاهد اتحادا اميركا الجنوبية والـ«كونكاكاف» لبناء نفسيهما بعدما عصفت اتهامات الفساد بأركانهما بعدما طالتهما اعتقالات وزارة العدل الاميركية إثر تحقيقات أجريت بالتعاون مع السلطات السويسرية، في فبراير 2016، وأدت الى مداهمة مقر «الفيفا» في زيوريخ.وبعدما كانت كرة القدم العالمية تشهد صراعات اقطاب على شاكلة «جوزيف بلاتر - (السويدي الراحل) لينارت يوهانسون» و«بلاتر - (القطري) محمد بن همام» و«بلاتيني - يوهانسون» فيما مضى، اضحت الآن تضم قطبا أوحد هو جاني إنفانتينو.
قوة سياسية وماليةولا بد من الاشارة الى ان إنفانتينو رسخ قوته من خلال لعب ادوار سياسية، اذ قاد جهودا غير علنية «انتهت بالفشل» لايجاد مصالحة وحل للازمة الديبلوماسية الخليجية، من خلال زيادة عدد المنتخبات المشاركة في مونديال 2022 وإقحام السعودية والامارات في التنظيم مع قطر.كما أدى دعمه لتنظيم روسيا لمونديال 2018 وابعاد الشبهات عنها، الى استقباله كأحد الابطال في الـ»كرملين» حيث قال امام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «أشعر وكأنني ولدت في محل هدايا».ورغم انه اثار غضب الافارقة في التقرير الذي اصدره وتضمن أرقاما تقييمية ضعيفة لملف الترشيح المغربي لاحتضان مونديال 2026، الا انه كسب رضا رياضيي وسياسيي منطقة أميركا الشمالية والرئيس دونالد ترامب، بعدما نال الثلاثي المشترك المكون من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك شرف تنظيم البطولة، وبالتالي در عشرات المليارات من الدولارات الى «الفيفا» وعالم اللعبة.وبدت جهوده ناجحة في ادارة الملف المالي للمنظمة الدولية من خلال رعاية «سوفت بنك» الياباني لكأس العالم للاندية، رغم ان «مجلس الفيفا» رفض في اجتماع بوغوتا، العام الماضي، عرضا من مستثمر لم تكشف هويته، برعاية مسابقات للاتحاد الدولي مقابل مبلغ وصل الى 25 مليار دولار، وهو العرض الذي لقي حماسة كبيرة لدى إنفانتينو.وفي حين ارضى «القارة العجوز» بـ«ضوء أخضر» لتنظيم دوري الأمم الأوروبية التي تقام مباراتها النهائية، اليوم، فإن إنفانتينو نجح بجدارته في جعل العوائد المالية لـ«الفيفا» تقارب 6,4 مليار دولار للفترة من 2015 الى 2018، مع احتياطي دائم يقارب 2,75 مليار دولار، إثر فترة اهتزاز مالي جراء أزمة الفساد.