تحاول إسرائيل التسلل من خلال «صفقة القرن» عبر أميركا لتجعل احتلالها للضفة الغربية رسمياً ما يشكل انتهاكاً واضحاً لاتفاق أوسلو الموقّع العام 1993، ومحاولة لإضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية. وقد عبّرت الدول المعنية بـ«صفقة القرن»، سراً وعلناً، عن رفْضها لهذه الصفقة وعدم رغبتها في التخلي عن أراضٍ لها، أو في توطين الفلسطينيين على أراضيها. ورغم ذلك فإن إسرائيل نجحت في إحداث ضوضاء قوية حول الصفقة في سعيٍ لتشتيت انتباه العالم عما تفعله في فلسطين من اغتصاب للأرض وتنفيذها للصفقة وحدها إذ لم تعد ترغب في انتظار موافقة العرب والفلسطينيين عليها. لم يعر الرئيس الأميركي دونالد ترامب اهتماماً لما قاله الرئيس محمود عباس، حين قال «إن أميركا لم تعد شريكاً ولا وسيطاً للسلام بين فلسطين وإسرائيل». حدث ذلك عند اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا مخالِف لاتفاق أوسلو، ما جعل أميركا اليوم بمثابة الحَكَم والخصم في آن لانحيازها لإسرائيل وضرْبها بعرض الحائط قرارات الأمم المتحدة وحتى اتفاقاً وقّعه الرئيس الأسبق بيل كلينتون.حين وقّع ياسر عرفات اتفاق أوسلو اعتقد أن إسرائيل ستلتزم به، ولا سيما في ما خص الضفة الغربية. إلا أنها تجاهلت أوسلو ومذكّرة «واي ريفر» وأعطت للفلسطينيين أقلّ من 2 في المئة من الضفة في المنطقة المقطعة بدل الـ13 في المئة حسب الاتفاق بين الطرفين وبرعاية أميركية.وأكد تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن إسرائيل صادرت 35 في المئة من القدس الشرقية قبل «هدية» ترامب، مشيراً إلى انها هدمت 5773 مبنى وشردت 9033 شخصاً وتسببت في أضرار لـ51491 فلسطينياً في المنطقة «سين»، واكتفت بإعطاء 1 في المئة للتنمية الفلسطينية لا أكثر.لقد قالها في الماضي رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون: «على الجميع أن يتحركوا ويستولوا على أكبر عدد من التلال الفلسطينية وتوسيع المستوطنات اليهودية لأن كل شيء نأخذه الآن سيبقى لنا، وكل شيء لا نأخذه سيذهب لهم (أي للفلسطينيين)».ويجزم الفلسطينيون بأن إسرائيل تستطيع الاستيلاء على أراضٍ لكن الفلسطينيين، على اختلاف انتماءاتهم لا ولم يعْرضوا فلسطين للبيع بغض النظر عن المبالغ التي يتم الترويج لها. ومن المتوقّع أن تعتمد الدول - التي لم تستطع رفض قرار ترامب - على الرفض الفلسطيني لصفقة العصر والوقوف خلفهم.ثمة مَن يعتقد أن الاعتماد على أوروبا سيكون خطوة سيئة لأن القارة العجوز لا تملك الجرأة للوقوف في وجه أي قرار أميركي ولم تفعل شيئاً حيال هدايا ترامب لنتنياهو، كما حصل بالنسبة إلى القدس والجولان أو في ما يتعلق بعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. ورغم أنها - أي اوروبا - عبّرت عن اعتراض على قرارات ترامب، إلا أنها لم تملك جرأة الوقوف في وجهه. وهكذا فقدتْ موقعها كشريكٍ محتمَلٍ في عملية السلام الفلسطينية.أما الأردن المعنيّ مباشرةً بـ«صفقة القرن» الإسرائيلية، فقام بتوسيع مروحة علاقاته نحو سورية والعراق. ويحاول الملك عبدالله الثاني تعزيز الاقتصاد الأردني من خلال إعادة الروابط الاقتصادية - التجارية مع سورية رغم الضغط الأميركي لإبقاء الحدود مغلقة، في الوقت الذي وافقت بغداد على بناء خط أنابيب بقيمة 10 مليارات دولار بين البصرة وميناء العقبة لتزويد الأردن بـ150000 برميل يومياً من النفط الخام. وسيزوّد الأردن، العراق بالكهرباء التي يحتاجها بشدّة، وكذلك يتّجه الطرفان إلى إقرار الإعفاء الجمركي بين البلدين. كما ذهب الملك عبدالله إلى تركيا لمناقشة العلاقة التجارية وتلك المتعلقة بالإعفاءات الجمركية. ومن المتوقّع أن يزور دول الخليج في إطار تحقيق توازن في العلاقات الأردنية - العربية ومع دول المنطقة. وثمة مَن يعتقد أن الأردن فَقَدَ مكانتَه المتميزة عندما لم تعد إسرائيل تحتاج الجسر الذي يوصلها إلى دول عربية أخرى، خصوصاً بعد زيارة نتنياهو إلى عُمان (مسقط) وكذلك زيارة وزراء إسرائيليين إلى دول أخرى عدة. وتالياً فإن تغيير وضع الأردن المميّز دفع نتنياهو إلى التجرؤ على اقتراح مبادلة أراضٍ أردنية مع دول أخرى كجزءٍ من صفقة القرن.وفي تقدير دوائر مُراقِبة أن الخلافات بين دول المنطقة سمحت لنتنياهو بالاستيلاء على أراض فلسطينية وسوريّة. وهو تمكّن من تحويل الأنظار نحو إيران باعتبارها أخطر عدو على الإطلاق وصولاً إلى استبدال القضية الفلسطينية بالتهديد الإيراني.وتبعث إسرائيل وأميركا رسائل حربٍ إلى «حزب الله» اللبناني وإلى إيران (وإلى حركة حماس في غزة). أما واقِعاً فكل الدلائل تشير إلى أن أميركا تريد إيران إلى طاولة المفاوضات وأن تنسى قضية فلسطين. وقد كتب براين هوك، الممثل الخاص للولايات المتحدة في قضايا إيران والمستشار الأول لوزير الخارجية مايك بومبيو مقالاً بعنوان: «ألم يحن الوقت للتخلي عن السياسات التي تُبْقي الشعبين الإيراني والأميركي منفصليْن منذ العام 1979؟ يجب أن يكون لشعب أميركا علاقات ديبلوماسية مع إيران ويمكننا التنبؤ بسفارة أميركية جديدة في طهران وإصدار التأشيرات للسياح والمسافرين ورجال الأعمال الإيرانيين والطلبة الراغبين في الدراسة في أميركا». لقد حاول ترامب 8 مرات لقاء الرئيس حسن روحاني الذي رفض اللقاء إلى أن تعترف أميركا بالاتفاق النووي أولاً.والسؤال هنا: كيف تكون إيران العدو الأول لأميركا وإسرائيل وحلفائهما وكذلك قوتها الأمنية (الحرس الثوري) على لائحة الإرهاب، وتريد وزارة الخارجية فتح أبواب أميركا لإيران؟
خارجيات
إسرائيل تلتفّ على رفْض «صفقة القرن» بسياسة... الخطوة - خطوة
05:48 م