دخل أبو مسلم الخولاني - رضي الله عنه - على معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - في ولايته وبقصره، فقال السلام عليكم أيها الأجير!فقالوا قل السلام عليكم أيها الأميرفقال السلام عليكم أيها الأجير!فقالوا قل السلام عليك أيها الأميرفقال السلام عليكم أيها الأجير!فقالوا قل أيها الأميرفقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول.فقال إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها، وفّاك سيدك أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها، عاقبك سيدها... انتهى.هذه القصة ومثلها كثير في تاريخنا الاسلامي الطويل تدلنا على أمرين اثنين: الأمر الأول: جراءة السلف على مجابهة الملوك والخلفاء ومن دونهم من باب أولى، وهي جراءة بصراحة ليست جراءة من وراء الجدران ومن بعاد الفيافي وبالشوارع والساحات العامة، ووسائل التواصل الاجتماعي بل جراءة صريحة وأمامهم بعقر دارهم. الأمر الثاني: حلم الخلفاء السابقين وعلمهم بأنهم - كما يقال لهم - فهو يقول: هو أعلم بما يقول. وهذا إقرار من معاوية رضي الله عنه على ما قاله أبو مسلم الخولاني - رضي الله عنه - أن الخليفة أجير إن قام بالرعاية التامة أعطي أجره كاملاً، وإن قصر لم يعط الأجر كاملاً.فأبو مسلم الخولاني جريء، ولا يعد هذا جفاء منه على ولاة الأمور إذ إن الولاة في وقتهم يتحملون مثل هذا ويرون في هذا مصلحة لهم، حيث يقول لهم الناصح أمام الناس مثل هذا الكلام، وهم صابرون وموافقون عليه.ثم إن هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يترتب عليه هرب الرعية ولجوؤهم إلى الخارج، ولم يترتب عليه ملايين اللاجئين والنازحين والاف القتلى والجرحى، كما فعل بنا السياسيون اليوم؟الخلاصة: هذا منهج السلف الصالح في التعامل بين الحاكم والمحكوم، وهذا مقتضى فهمهم للإسلام، بعيداً عن تنظير الأحزاب السياسية والتنظيمات الثورية المتهالكة على السلطة، والمخالفة لسنة الخلفاء الراشدين التي أرشدهم إليها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.ولنرجع لسياق القصة، ومعنى (هنأت جرباها) يعني طليته بالهناء، وهو القطران لأن الجرب يدهن بالقطران أو شبهه فيزول، والجرب عبارة عن حساسية وبثور تنبت في جلد البعير وتصيبه وربما تهلكه.ومعنى (تحبس أولاها على أخراها)، يعني تمنع كبار القوم أن يتقدموا على من دونهم، بل تجعل الجميع كلهم في صف واحد، فلا تفضل أحداً على أحد، ولا يتقدم هذا على غيره، بل يوضع كل في موضعه.ويفهم منها أيضاً أنه ينبغي لولي الأمر أن يقتدي بالأضعف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتد بأضعفهم) فلا يزن سياسته العامة، ولا يرسمها لتلائم مصالح التجار، بل يوازن بين الصالح العام والخاص. مدح ولي الامر محرم عند المعارضة!وهذه من المفردات والغرائب والتناقض، الذي تعيشه رموز المعارضة، إنهم يتحاشون ذكر المحاسن في الأماكن العامة وفي المجالس الخاصة، ينتهكون الخصوصية ويشيعون كل شبهة حول الحكومة بلا بينة ولا تحقيق... وحتى لو توافرت البينة، فطريق الإصلاح يبدأ بالقانون وهيئة مكافحة الفساد، وليس بالسراديب والحسابات الوهمية لنشر الغسيل كما يقال.وفي السياسة الشرعية قرر العلماء فقالوا: أما من مدح السلطان وكان المدح له بحق فلا بأس، فهذا يؤيده في ما هو عليه من الحق، ويشجعه عليه، ويوجب له أن يخجل من مخالفة الحق، وأما إذا كان بالباطل وللتزلف لدى الحكام فهو مسؤول عن كلامه يوم القيامة.
مقالات
قيم ومبادئ
قصص وعبرة
05:31 م