أثناء حملته الانتخابية أعلن الدكتور بدر الملا عن تبنيه أربع قضايا محورية هي: حماية المال العام وتعزيز شفافية الدولة في أنشطتها ومركزها الماليّين، وتخفيف الأزمة الإسكانية، والتصدي للفساد وللقياديين المفسدين والنواب «القبّيضة» القدامى والمستجدّين، ومحاسبة المتلاعبين في ملفات الجنسية. وبعد نجاحه في الانتخابات التكميلية عن الدائرة الثانية جدد التزامه بتلك القضايا عبر شقّي العمل البرلماني: الرقابي والتشريعي.وبالفعل خلال فترة قصيرة استطاع النائب الملا أن يعقد اللقاءات مع زملائه البرلمانيين، واطلع على مجموعة من المضابط والتقارير البرلمانية، فاتضحت له الصورة أكثر بشأن قضاياه الأربع. وتباعاً أرسل عدداً من الأسئلة البرلمانية إلى الوزراء المعنيين، وأبلغ الحكومة والمواطنين - عبر تصريحاته الصحافية ومن خلال لقاء تلفزيوني - أنه بدأ في الخطوات العملية، لمعالجة عدد من ملفات قضاياه المحورية الأربع. فعلى سبيل المثال، في ملف حسابات العهد التي تراكمت إلى ما يزيد على 8 مليارات دينار كويتي، أرسل الملا سؤالاً برلمانياً إلى كل وزارة تجاوز حساب العهد لديها حد 100 مليون دينار، مستفسراً فيها عن الإجراءات التي اتخذتها الإدارة المالية التابعة لتلك الوزارة منذ عام 2012 لتسوية حساب العهد الخاص بها. وكذلك أبلغ الملا وزير المالية الدكتور نايف الحجرف أن وزارته هي المسؤول الأول عن حسابات العهد، وهي المعنية من وراء تلك الأسئلة، وأنه سيقدّم استجواباً ضده، إذا لم يتلمس نتائج إيجابية على أرض الواقع، كما حذره من أنه سيضيف ملفات أخرى إلى استجوابه، كملفات الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وشركة المشروعات السياحية، متى ما قرر تقديمه.من جهتي أرى أن البداية القوية للملا قد تكون مدفوعة ومدعومة، بواقع انضمامه إلى المجلس في نهاية فصله التشريعي. فهو من جانب ليس حريصاً على الحصول على موافقة زملائه النواب والحكومة على تحركاته، لأنه لا يحتاج إليهم فهو لا يملك المدّة الكافية لإقرار وتشريع أي اقتراح بقانون من طرفه، وإن كان جاهزاً في حقيبته البرلمانية، وفي الجانب الآخر زملاؤه النواب لا يملكون عرقلته في تحركاته الرقابية، لأنها لصالح ملفات شعبية. لذلك أجد أن منهجيته وتكتيكاته البرلمانية ستعزز فرصته للعودة إلى البرلمان عبر الانتخابات العامة المقبلة، وإن لم يوفق في أي من ملفاته التشريعية أو الرقابية. لا شك أن أداء الملا يشكل تهديداً مباشراً لمقاعد نواب حاليين من ذات التصنيف الانتخابي في دائرته، وقد يكون أبرزهم النائب رياض العدساني. ولكنه فاجأنا بأنه عوضاً عن عرقلته، نجده يتعاون معه بدرجة أن الملا يشيد به في الدواوين وأمام وسائل الاعلام. لذلك أسجل إعجابي وتقديري للتعاون الإيجابي بين النائبين اللذين سيتنافسان قريباً على كسب أصوات ذات الشريحة من الناخبين. في مقابل العدساني، نجد أن النائب عن الدائرة الانتخابية نفسها السيد محمد المطير يلجأ إلى مسار إعلامي عفوي، وأقصد تحديداً دعوته المفاجئة إلى المواطنين بالتجمع في ساحة الإرادة مساء غد الجمعة تحت شعار «شرفاؤنا اللي في تركيا نبيهم يصومون معانا في رمضان»، ومطالبته المواطنين بإحضار «نوّابهم» إلى التجمع للتوقيع أمام الجمهور على وثيقة لتمرير قانون للعفو الشامل! مع كامل احترامي للنائب المطير، إلا أنني أجد أن دعوته تلك غير مدروسة، ولا تليق بتاريخه البرلماني الذي تمتد جذوره إلى عام 2003. لأنه يبدو لي من شعار التجمع أن دعوته للعفو الشامل مفصّلة فقط لتخليص زملائه - في قضية اقتحام المجلس - من عقوبة السجن، وهو بذلك يستفز المدانين والمسجونين على خلفية قضايا الرأي، ومعهم أهاليهم ومحبوهم بل حتى المجتمع الكويتي. وأما إذا كانت وثيقة المطير تتضمن العفو عن سجناء الرأي، فكان الأولى به أن يذكر ذلك صراحة.في جميع الأحوال، عدم عرض وثيقة العفو الشامل عند إعلان الدعوة للتوقيع عليها يرجح أن الدعوة كانت عفوية، ولم يتم الإعداد لها بالقدر المناسب، خصوصاً إذا علمنا أن لدى البرلمان 6 اقتراحات بقانون، بشأن العفو الشامل وهي متباينة في المدى الزمني وفي نطاق الجرائم المشمولة، والنائب المطير ليس من بين مقدمي أي منها. في الختام أدعو النواب - في الربع الأخير من عمر الفصل التشريعي - إلى التبصر قبل الإقدام على تصريحات حماسية انتخابية، فقد تكون فيها إدانة لأدائهم البرلماني إذا ما قورنت بإنجازاتهم في الملفات التي أعلنوا تبنيها في الانتخابات العامة الأخيرة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com