لم يتوقع الاسترالي جوليان أسانج - مؤسس موقع ويكيليكس - أن حياته ستنتهي بهذه المأساة التاريخية، بعد أن لجأ في لندن إلى سفارة الإكوادور لحمايته منذ عام 2012م - أي ما يقارب نحو سبع سنوات انتظاراً للفرج - حيث اعتقلت الشرطة البريطانية أسانج، بناء على أمر قضائي يعود الى يونيو 2012م، بتهمة التحرش الجنسي في السويد، علماً بأن هناك طلباً آخر من الولايات المتحدة الاميركية يفيد بتسلمه، إلا أن أمره لا يقتصر على حكم قضائي واحد، ولكن هناك محاكم أخرى قد دانت مؤسس ويكيليكس، بسبب نشره أكثر من 10 ملايين وثيقة سرية متعلقة بالمجالات العسكرية والمالية والترفيه والسياسة في موقعه، ونشرها في جميع القنوات الاخبارية والاعلامية.واليوم يظهر أسانج مضطرباً وهزيلاً بشكل ملفت للنظر، مرتدياً سترته السوداء وبيده كتابه، ورافعاً اصبعه إلى أعلى لا نعلم ماذا يقصد بهذه الحركة؟! فهل كان يقصد رفضه الاعتقال بالقوة، بعدما غزى الشيب شعره ولحيته الطويلة، مع تقدمه في السن، أم أنه يريد أن يوصل رسالة مفادها: «لقد انتهيت الآن»، في حين كان يردد أمام الحضور عبارة: «على المملكة المتحدة أن تقاوم اليوم».كان أسانج خائفاً على مصيره، بما أنه يواجه حكماً قضائياً، قد يؤدي إلى السجن وخطر التعذيب، وربما تصل إلى عقوبة الإعدام! وقد رأينا كيف انقلب السحر على الساحر بين رئيس الاكوادور وأسانج بشأن طلب اللجوء، إذ دافع الرئيس لينين مورينو عن موقفه بقرار سحب حق اللجوء من أسانج، باعتباره حقاً سيادياً أصيلاً، بعيداً عن أي ضغوط خارجية، وأنه تلقى ضمانات مكتوبة من لندن على عدم ترحيله إلى أي بلد قد يواجه فيه عقوبة الإعدام، في ما صرحت المملكة المتحدة، أن توقيف أسانج قد جاء من منطلق أنه لا أحد فوق القانون، وأن سحب اللجوء أمر سيادي للدولة، كونه خرق أكثر من مرة تلك الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية، فضلاً عن قيامه بالتجسس في مقر سفارة الإكوادور مرات عدة.وبالتالي هناك اختلافات عدة في وجهات النظر، خصوصاً مع الدول التي تضررت سياسياً واقتصادياً وأمنياً من فضائح موقع ويكيليكس بشكل مباشر وغير مباشر، فهناك دول تعاطفت معه مثل موسكو التي اتهمت المملكة المتحدة على أنها تضيّق الخناق على الحريات، كما قالت أغنيس كالامارد - مقررة الامم المتحدة للاعتقالات التعسفية - إن مؤسس موقع ويكيليكس أمام خطر حقيقي، من خلال خرق حقوقه الأساسية، فيما اتهم الرئيس السابق للأكوادور رافاييل كوريا سلفه الرئيس الحالي لينين مورينو، أن ما جرى لأسانج بمثابة خيانة عظمى تسجل للتاريخ وتواطؤ واضح مع الولايات المتحدة الأميركية.وقال إدوارد سنودن - المحلل السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية - إن توقيف أسانج يعتبر يوماً أسود لحرية الصحافة، إلا أن وزارة العدل الأميركية، سرعان ما حكمت عليه من ضمن لائحة التآمر والتجسس، بعدما سبق له التعاون مع مساعدة المحللة السابقة في الاستخبارات تشيلسي مانينغ ومساعدتها، في الحصول على كلمة السر التي تسمح لها الوصول إلى آلاف الوثائق، وكم هائل من المعلومات العسكرية السرية المهمة، وتتعلق بتحركات الجيش في افغانستان والعراق، لنشرها في موقع ويكيليكس بهدف ارتكاب قرصنة معلوماتية خطيرة، هذا وقد استنكر مؤيدو ومحبو موقع ويكيليكس توقيف مالكه، ونددوا بشروط اعتقاله غير القانوني داخل سفارة إكوادور، ثم إن انهاء اللجوء السياسي الممنوح لأسانج يمثل خرقاً للقوانين والمواثيق الدولية، وما حصل له من إهانة تعتبر جريمة لن تنساها الإنسانية والتاريخ أبداً.لقد كان أسانج نجماً لامعاً في موسوعة ويكيليكس، واليوم رأينا كيف استطاعت المملكة المتحدة أن تطفئ نور هذا النجم عند اعتقاله، لتطوي صفحة مؤسسة موقع ويكيليكس بالقوة إلى الأبد.alifairouz1961@outlook.com