ثلاث ليال ملكية بامتياز، تلك التي أحيتها «الأوركسترا الفيلهارمُونية الملكية» أيام الخميس والجمعة والسبت في قاعة الشيخ جابر العلي الموسيقية بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي.فعلى مدى ست ساعات، تقسمت بمعدل ساعتين من العزف السيمفوني الأخاذ في كل حفل، اختالت الأوركسترا الملكية على خشبة المسرح بقيادتين، إذ قادها في الليلة الأولى المايسترو نيك ديفيس، وفي الثانية ميخال نستيروفيتش واجتمعا معاً على قيادة الثالثة.120 عازفاً وعازفة توزعوا على آلات الكمان والتشيللو والكونترباص والفلوت والبيكولو والأوبوا والكور أنغلايس والكلارينت والباص كلارينت وألتو ساكسفون والباسون والكونتراباسون والبوق والترومبيت والترومبون والطبول والإيقاعات والقيثارة وغيرها من الآلات الوترية والنفخية.ليلة أول من أمس، أبحرت الفرقة بكل احترافية في بحر المعزوفات السينمائية والتلفزيونية العالمية، بدأتها بموسيقى «سوبرمان»، اللحن الأساسي. ومن بعد تصفيق الحضور لما قدمه العازفون، واصلت الفرقة مع الجزء الأول من حفلها بـ«هاري بوتر وحجر الفيلسوف»، وأتبعتها بموسيقى «الفك المفترس» (اللحن الأساسي)، وهي من توزيع انغمان. وكذلك عزفت الفرقة موسيقى «وحيد في المنزل» (مكان ما في ذاكرتي) و«إنديانا جونز» (مارش الغزاة) و«لائحة شندلر» (اللحن الأساسي)، قبل أن تقدم «حصان حرب» (اللقاء توزيع رين) و«اي.تي» (لحن الطيران ولحن النهاية)، وهنا بان تفاعل الجمهور مع قدمته الفرقة. بعد استراحة قصيرة، عادت الفرقة إلى المسرح وبدأت الجزء الثاني من جدول الحفل، فقدمت «حديقة الديناصورات» (من خلال اللحن الأساسي)، و«مذكرات فتاة غيشا» (لحن سايوري). كما عزفت الفرقة «هوك» (الطيران إلى نيفرلاند) و«جي.أف.كي» (مقدمة)، و«لحن رأي» و«مارش المقاومة» من «صحوة القهوة»، لتختتم الليلة بـ«لحن الأميرة ليا» و«اللحن الأساسي» من «حرب النجوم».وقبل يوم من ذلك الحفل، قدمت الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية مقطوعات موسيقية مختلفة بقيادة الأوركسترا ميخال نستيروفيتش، وافتتحت الحفل بمعزوفة لبيتهوفن «افتتاحية كوريولان»، ومن ثم معزوفة كونشيرتو الترومبيت «صوليست جميس فاونتن» لجوزيف هايدين، ومقطوعة موسيقية لبيزيه «أوبرا كارمن» (متتالية رقم 1).كما عزفت مقطوعة متتالية كاريليا التي كتبها جان سيبيليوس، والتي تعتبر من الأعمال الأولى لجان وأشهر مؤلفاته. وتحتوي هذه المقطوعة على ثلاث حركات، وهي الحركة الأولى والأصلية للمتتالية إنترميتزو، وهي حركة أليغرو مرحة تشبه في فكرتها المارش، حيث قدمت الأوركسترا تصوراً لجو المارش الموسيقي. وتعكس الحركة الثانية «بالاد» الحالة المزاجية لملك سويدي من القرن الخامس عشر كارل كنوتسون. أما الحركة الثالثة، فإنها مارش مبهج، وهي في الواقع الموسيقى الأصلية نفسها في الحركة الأولى، باستثناء بعض التغييرات البسيطة في النغمات المنخفضة. بعدها، عزفت الأوركسترا «القبرة الصاعدة» لفون ويليامز، وهو مؤلف رومانسي للكمان والأوركسترا استوحاه الإنكليزي رالف فون ويليامز من قصيدة لجورج ميريديث بالعنوان ذاته. وتعتبر هذه المقطوعة من أشهر أعمال فون ويليامز، الذي بدأ كتابة هذا العمل في العام 1914 قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى بفترة وجيزة، ولكنها لم تقدم للجمهور إلا في العام 1921. فقد كان الشعب منشغلاً بأخبار الحرب، الأمر الذي كان وراء تأجيل خروج هذا العمل إلى النور سبع سنوات كاملة، حيث قدمته عازفة الكمان ماري هول التي كتبت هذه المقطوعة من أجلها، وكتب هذه المقطوعة في العام 1914 لآلتي الكمان والبيانو فقط، ولكن في العام 1920 أعاد توزيعها لآلة الكمان مع الأوكسترا، وهي النسخة التي لا تزال تعرف حتى اليوم. وقدمت الأوركسترا «الرقصات البولوفستية» التي تشكل جزءاً من مشهد النهاية في الفصل الثاني لأوبرا ألكسندر بورودين «الأمير إيغور»، وقد كان هذا العمل غير مكتمل عند وفاة بورودين في العام 1887، على الرغم من أنه كان يعمل في كتابته أكثر من عقد كامل. وفي العام 1890 عكف كل من نيكولاي ريمكسي كورساكوف وألكسندر غلازونوف على إعداد النسخة التي قدمت آنذاك. وتحظى موسيقى الرقصات بشعبية كبيرة، وتعزف أحياناً في الحفلات الموسيقية كمقطوعة أوركسترالية. واختتم الحفل بالمقطوعة الموسيقية «كابريتشيو إيطالي» لبيتر إليتش تشايكوفسكي. وكانت أولى حفلات «الأوركسترا الفيلهارمُونية الملكية» انطلقت مساء الخميس، التي استهلت الفصل الأول من الحفل بالسيمفونية رقم 9 لأنتونين دفورجاك. وتُعرَف السيمفونية الرقم 9 في سُلًّم مي الصغير، المصنف 95، للمؤلف دفورجاك باسم سيمفونية «العالم الجديد»، حيث كتبها دفورجاك في العام1893 إبان عمله في الولايات المتحدة الأميركية مديراً للكونسيرفتوار الوطني للموسيقى الأميركية من 1892 إلى 1895. وتُعتبَر هذه السيمفونية من بين أكثر السيمفونيات نجاحاً وتميُّزاً. وقد تأثر دفورجاك أثناء كتابتها بقصيدة هنري لونغفيلو الملحمية «أغنية هيواثا»، فأنتج هذه السيمفونية الرائعة المثيرة للإعجاب بموسيقاها وإيقاعاتها المعبرة عن حنين دفورجاك إلى وطنه. وقد وصفها النقادُ بأنها انطباع الموسيقار التشيكي عن هذا العالم الجديد (القارة الأميركية). وتتنقل هذه السيمفونية، بدءاً من الألحان الجميلة والحزينة، وصولاً إلى الذروات الموسيقية الثرية.ويعد أنتوين دفورجاك من أوائل موسيقيي بلاده الذين حققوا شهرة واعترافاً عالميين. وهو يمتلك أسلوباً وصفه النقاد بأنه إعادة لتقديم الموسيقى الوطنية بالتقاليد السيمفونية مع استيعاب تام للتأثيرات الشعبية لإيجاد أساليب فعالة لتوظيفها.وبعد استراحة قصيرة، قدمت الأوركسترا سيمفونية «صور في معرض» للموسيقار الروسي مودست موسورغسكي.وتعتبر هذه المقطوعة من أكثر مؤلفات الموسيقار الروسي موسورغسكي إبداعاً، حيث تُقدَّم في حفلات الموسيقى الكلاسيكية بصفة مستمرة. كتب موسورغسكي هذه المتتالية لآلة البيانو، تكريماً لصديقه الفنان والمعماري فيكتور هارتمان، حيث يصف فيها لوحاته الفنية بالموسيقى والألحان، وتُعتَبر أكثرُ صيٍغها انتشاراً تلك التي تولى توزيعها الأوركسترالي الموسيقار الفرنسي موريس رافيل. كما يعرف موسورغسكي بأنه واحد من مجموعة «الخمسة»، ومن المجدّدين في الفترة الرومانسية، حيث سعى إلى تحقيق هوية موسيقية روسية فريدة من نوعها، وغالباً ما يخوض تحدياً متعمَّداً للقواعد الراسخة في الموسيقى الغربية. وقد استلهم العديد من مؤلفاتِه من التاريخ الروسي والفولكلور الشعبي المحلي وغيرهما من الموضوعات الوطنية. وتشمل هذه الأعمال أوبرا «بوريس غودونوف» وقصيدة الأوركسترا «ليلة على جبل بول» ومتتالية البيانو «صور في معرض».
7 عقود في الطليعة على مدى أكثر من 7 عقود تحتفظُ الأوركسترا الفيلهارمُونية الملكية (اّر.بي.أو) بمكانتِها في طليعةِ صناعة الموسيقى في المملكة المتحدة، حيث استطاعت أن تصبح الأوركسترا الوطنية لبريطانيا، نظراً إلى حاجتها في الوصول إلى أكبر عددٍ من الناس، وتنقُّلها عارضة بضاعتها الفنية الرفيعة، بين أكبر عدد من ربوع المملكة المتحدة، مقارنةً بأي فرقة موسيقية أخرى في المملكة.في العام 1946، أسّس سير توماس بيتشام الأوركسترا، بهدفِ إنعاشِ مجال الموسيقى الكلاسيكية والحياة الأوركسترالية. ومنذ ذلك الحين تواكب على هذا المنصب الأسماء الآتية: رودلف كيمب، أنتل دوراتي، والتر ويلر، أندريه بريفين، فلاديمير أشكنازي، يوري تميركانوف، دانيل غاتي، وتشارلز دويتيت. كما شملت البرامج الكلاسيكية للأوركسترا كل أنواع الموسيقى، من الكلاسيكيات العالمية حتى الموسيقى في القرنين العشرين والحادي والعشرين، بينها أعمال كبار المؤلفين الموسيقيين في السنوات الأخيرة، مثل سير بيتر ماكسويل ديفيز، وسير جون تافنر. وتُعتبر الجولات الدولية عملاً حيوياً بالنسبة إلى الأوركسترا الفيلهارموني الملكي، وتعزز من خلالها حضورها في أكثر المسارح المرموقة في جميع أنحاء العالم. وتشمل جولاتها الأخيرة حفلاتٍ موسيقيةً في مهرجانات مونترو ولوسيرن وغرناطة، بالإضافة إلى زياراتها للولايات المتحدة الأميركية ووسط أوروبا والشرق الأقصى، بما في ذلك كوريا الجنوبية والصين.في العام 1986، أصبحت الأوركسترا الملكية (RPO) أولَ أوركسترا في المملكة المتحدة تطلق شركة التسجيلات الخاصة بها، كما واكبت التطورات الرقمية محافظة على ريادتها وتقاليدها في الابتكار ومتابعة أحدث التقنيات، بحيث صارت أول أوركسترا في أوروبا تقدّم إلى الجمهور مقتطفاتٍ حيةً من بعض العروض المختارة، ترسل مباشرة إلى الهواتف النقالة أو الأجهزة اللوحية.