الخرطوم - وكالات - سجّل عمر حسن البشير نفسه باعتباره صاحب أطول فترة حكم في تاريخ السودان، حيث وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو العام 1989، وغادرها بالطريقة نفسها بعد نحو 30 عاماً. فقد أطاحت القوات المسلحة، أمس، البشير، وأعلنت تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون الدولة لفترة انتقالية مدتها عامان تتبعها انتخابات، بعدما عاند طويلا التظاهرات ضد نظامه وحاول الصمود في وجهها بمختلف السبل، بل وبدا أنه أفلت من رياح حقبة «الربيع العربي» وتوابعها، إلا أن دبابات الجيش، أنهت مشواره السياسي، بالطريقة التي وصل بها إلى سدة الحكم. في المقابل، اعتبر منظمو الاحتجاجات أن «سلطات النظام نفذت انقلاباً عسكرياً»، رافضين ما ورد في «بيان انقلابيي النظام»، في حين ردد متظاهرون شعار «ما بنبدل كوز بكوز». كما انتشر وسم «لم تسقط بعد»، ووسم «تسقط تاني».وقال وزير الدفاع الفريق أول ركن عوض بن عوف، أمس: «أعلن أنا وزير الدفاع اقتلاع ذلك النظام والتحفظ على رأسه في مكان آمن واعتقاله».وانتقد «عناد النظام» وإصراره خلال الأشهر الماضية على «المعالجات الأمنية» في مسألة الاحتجاجات الشعبية ضده. وأعلن «تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان»، مشيراً الى أن المجلس سيلتزم «تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية».وأعلن بن عوف تعطيل العمل بدستور جمهورية السودان، مشيرا الى أنه سيتم وضع «دستور جديد دائم للبلاد» خلال الفترة الانتقالية، و«حل مؤسسة الرئاسة من نواب ومساعدين وحل مجلس الوزراء». كما أعلن حلّ حكومات الولايات ومجالسها التشريعية.وأعلن وزير الدفاع إغلاق أجواء البلاد «لمدة 24 ساعة» والمداخل والمعابر الحدودية «حتى إشعار آخر».كما أعلن «حالة الطوارئ لمدة ثلاثة اشهر وحظر التجوال لمدة شهر من الساعة العاشرة مساء الى الرابعة صباحا».وأعلن أيضاً «وقف إطلاق النار الشامل في كل أرجاء السودان» الذي يشهد نزاعات بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة في عدد من المناطق في البلاد، بينها دارفور في الغرب، و«اطلاق كل المعتقلين السياسيين فورا».وقال إن المجلس العسكري الانتقالي سيتولى مسؤولية تطبيق كل ذلك، داعيا المواطنين الى التعاون. وصرحت مصادر سودانية لـ«رويترز» بأن البشير (75 عاماً) موجود في قصر الرئاسة تحت حراسة مشددة. وقال أحد أبناء الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وهو حزب المعارضة الرئيسي، لقناة «الحدث» التلفزيونية إن البشير محتجز مع عدد من قيادات جماعة «الإخوان المسلمين».حكم عسكري من جديد؟وتشمل الأسماء المرشحة لخلافة البشير وزير الدفاع، الذي كان مديرا سابقا للمخابرات العسكرية وينتمي أيضا للتيار الإسلامي، إضافة إلى رئيس الأركان السابق عماد الدين عدوي. ويتردد أن عدوي شخصية تحبذها دول جوار على خلاف مع البشير بسبب توجهاته الإسلامية. وكان الآلاف قد تدفقوا على موقع احتجاج مناهض للحكومة أمام وزارة الدفاع، أمس، بينما خرجت حشود ضخمة إلى شوارع وسط الخرطوم ابتهاجا بنبأ تنحية البشير، وأخذت تهتف بشعارات مناهضة له. وهتف المحتجون «سقطت سقطت... انتصرنا». ودعا المحتجون إلى تشكيل حكومة مدنية، وأعلنوا انهم لن يقبلوا بإدارة تقودها رموز عسكرية وأمنية أو مساعدون للبشير. وأعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير في بيان مشترك: «ندعو شعبنا للحفاظ على اعتصامه أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم وللبقاء في الشوارع في كل مدن السودان... حتى تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة». وقال عمر صالح سنار، القيادي في تجمع المهنيين، المنظم الرئيسي للاحتجاجات، لـ«رويترز»، «لن نقبل إلا بحكومة مدنية انتقالية مكونة من قوى إعلان الحرية والتغيير». وأكد مصدر رفيع المستوى في تجمع المهنيين، إن التجمع رفض بيان وزير الدفاع، ودعا المحتجين إلى مواصلة الاعتصام الذي بدأ يوم السبت أمام وزارة الدفاع. وأضاف: «ندعو الثوار إلى مواصلة الاعتصام. بيان بن عوف استنساخ جديد لنظام الإنقاذ. نرفض البيان بصورة كاملة». وقال كمال عمر، وهو طبيب من المحتجين عمره 38 عاماً: «سنواصل الاعتصام حتى ننتصر». وانتشرت قوات في محيط وزارة الدفاع وعلى الطرق والجسور الرئيسية في العاصمة. وداهم جنود مقر الحركة الإسلامية، وهي العنصر الرئيسي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وقال شهود إن محتجين هاجموا أيضاً مقر جهاز الأمن والمخابرات الوطني في مدينتي بورسودان وكسلا (شرق). وأعلن جهاز الأمن في وقت سابق أمس، إطلاق كل المعتقلين السياسيين.
البشير حاول الهرب!
أفادت صحيفة «الراكوبة» السودانية، بأن الرئيس عمر البشير، حاول الانتقال إلى دولة عربية، فيما أشارت أخرى إلى أنه تم منع طائرته من الإقلاع من مطار الخرطوم. ونقلت الصحيفة عن مصادر «مطلعة» (مواقع)، أن «البشير حاول ليلة الخميس الهرب إلى دولة عربية منحته فرصة اللجوء إليها، ولكن تلك الدولة قامت لاحقا بسحب دعوتها ورفضت استضافته، لذلك لم يجد أمامه شيئا سوى البقاء». من جانبها، نقلت صحيفة «سودافاكس» أن القوات المسلحة أعادت طائرة البشير قبل إقلاعها من مطار الخرطوم، وأن الدولة التي عرضت استضافته قد تراجعت عن عرضها.